مجتمع

علاش ما كنثقوش فبعضياتنا؟ وعلاش كنكرهو بعضنا البعض؟!

ضربة قلم

في هذا الوطن الجميل، وبين ملامح وجوهنا المتعبة، وسحناتنا التي خطّها الكد والتعب، هناك شيء ما مكسور لا يُرى بالعين المجردة. شيء يجعلنا نتقن لعبة النفاق ببراعة، ونخفي الغيرة خلف ابتسامة باردة، ونُضمر الحسد تحت قناع “مبروك خويا، تستاهل”. نحن مجتمع يعيش في حالة منافسة دائمة، لا على الإبداع ولا على البناء، بل على من يُقصي الآخر أولًا، ومن يسبق للجلوس في الكرسي، قبل أن يُسحب من تحت الجميع.

نحن لا نطيق بعضنا البعض، لا لأننا سيئو الطبع بالفطرة، بل لأننا ورثنا ثقافة الكره كآلية دفاعية، وتعلّمنا منذ نعومة أظافرنا أن من ينجح “كيديرها بوجهو”، ومن يفشل “ما كيعرفش يدبّر راسو”. نتربى على التوجس بدل الثقة، وعلى الشك بدل المحبة. نحكم على بعضنا من المظهر، من اللباس، من العنوان، من الوساطة التي نملك أو لا نملك.

الرجال بينهم عداء صامت. في مكان العمل، لا يتعاونون، بل يترصدون الزلة. إن اجتهد أحدهم، وصفوه بـ”المتمسح”، وإن بقي في الهامش، نعتوه بـ”الكسول”. لا أحد يسند أحدًا، الكل ينتظر سقوط الآخر ليصفق لنفسه. النساء كذلك في حرب صامتة أحيانًا، صارخة أحيانًا. الواحدة تنظر للأخرى لا بعين الأخت، بل بعين المنافسة: في الجمال، في الزواج، في الإنجاب، في الاستقرار، في الوظيفة، في عدد المتابعين إن لزم الأمر. الغيرة تعشش في القلوب، والحقد يُقنّن تحت مسميات اللباقة الاجتماعية.

ومن رحم هذه الأمراض، تولد الأنانية. الجميع يريد كل شيء لنفسه: المناصب، الواجهة، السلطة، الكاميرا، المجد، حتى ولو على جثث الآخرين. في الإدارات، الكل يطعن الكل. في الجمعيات، من لا يعرف “يلعبها” يتم إقصاؤه. في التعليم، الصحة، الإعلام، السياسة… نفس المشهد: الكل ضد الكل، ولا مكان سوى للمتملقين والمتسلقين وأصحاب الأقنعة المتعددة.

نعيش وسط منافسة غير شريفة، حيث النجاح لا يقاس بالمجهود، بل بمن تعرف، ومن تداهن، ومن تزيِّن له الفشل على أنه عبقرية مظلومة. نكره أن ينجح أحد فينا دون إذننا، ونشك في كل إنجاز لم نكن شركاء فيه. نحسد الطفل الذي نال جائزة، والعجوز الذي تقاعد مرتاحًا، ونسبّ العامل المجتهد لأنه يُذكّرنا بخمولنا. حتى الدعاء بالخير صار يُخفي في طيّاته نية أخرى.

ورغم كل ذلك، نُجمّل وجوهنا ونخرج إلى الشارع، إلى المقاهي، إلى المقابر، نحمل أنفسنا ونمشي، كما لو أن لا شيء يحدث. نحن لا نتصالح مع ذواتنا، ولا مع الآخر، ولا مع الوطن حتى. نعيش كما لو أننا ضيوف مؤقتون في بلد لا نؤمن بأنه لنا حقًا.

لكن…

قد لا يكون الحل في شعارات كبيرة أو خطب رسمية، بل في تفاصيل صغيرة: أن تبتسم في وجه من لا يشبهك، أن تهنئ زميلًا على ترقيته، أن تدعو بالتوفيق لمن سبقك، أن تحب الخير لأخيك لا لشيء، فقط لأنه أخوك في الإنسانية.

فالسؤال الحقيقي ليس “علاش ما كنثيقوش بعضياتنا؟”
بل: متى سنتعلم أن نحب بدون قيد أو شرط؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.