مجتمعسياسة

علي بابا و”رباعتو”: ملحمة النهب المعاصر

ضربة قلم

اصبحنا في بعض المدن المغربية الصغيرة، أمام نسخة حديثة من “علي بابا والأربعين حرامي”، لكن الفريق الجوهري هنا أن العدد غير محدود، والمغارة ليست واحدة بل مغارات متجددة، تُفتح كلما شمّت “القبيلة” رائحة ميزانية جديدة أو صفقة موعودة. هؤلاء لا يحتاجون إلى “افتح يا سمسم”، بل إلى توقيع أو ختم مزور، وربما إلى علاقة صغيرة بأحد “حراس الكنز” الرسميين.

حكاية النهب: سيناريو متكرر
يبدأ المشهد برجل أعمال عصري، يحمل لقب “مقاول” حينًا، و”مستثمر” حينًا آخر، وإن تطلب الأمر، فهو “فاعل جمعوي ورئيس فريق سيدي فانتازيا” له منبر خطابي -بلغة أقل ما يقال عنها أنها تضايق سيبويه في قبره- في اللقاءات الرسمية. هذا الرجل لا ينجز شيئًا بدون “رباعتو”، وهي شبكة منظمة من التافهين المحليين ومسؤولين سابقين، الوسطاء، وبعض “أشباه الصحافيين” الذين يجيدون تلميع الصور وإخماد الاحتجاجات المحتملة.

في كل مشروع جديد، تبدأ الطقوس المعهودة:

  1. التمهيد: إعلان مشاريع تنموية كبرى على الورق، مع صور أنيقة ومجسمات ثلاثية الأبعاد.
  2. الصفقة: ظفر المقاول (أو أحد أقربائه) بالمشروع، غالبًا دون منافسة حقيقية، مقابل “عُمولات مستحقة” هنا وهناك.
  3. الإنجاز الوهمي: تأخير في الأشغال، تقليص في جودة المواد، وإنجازات كارثية لا تصمد أمام أول تساقطات مطرية.
  4. الهروب إلى الأمام: إذا كُشف المستور، يبدأ البحث عن مشجب لتعليق الفشل عليه: المناخ، الأزمات الاقتصادية، أو حتى المواطن الذي لم يفهم “العبقرية” خلف المشروع.

بلا رحمة ولا فرامل
علي بابا و”رباعتو” لا قلوب لهم، لا رحمة، ولا غيرة، ولا حتى فرامل أخلاقية توقفهم عند حد. الإسفلت قد يكون رديئًا، البنايات قد تنهار، والمشاريع قد تظل في خانة الأحلام، لكن الأرصدة البنكية تنتفخ، والعقارات تتضاعف، والسيارات الفارهة تزداد لمعانًا في شوارع المدن الفقيرة.

هؤلاء “اللصوص الجدد” لا يشبهون البؤساء التقليديين الذين يسرقون بدافع الجوع أو الحاجة، بل هم محترفون يسرقون بدافع الجشع، والغرور، والشعور بالتفوق على القانون.

لكن ما كل مرة تسلم الجرة
عجلة الزمن لا تدور وفق هوى اللصوص. التاريخ أثبت أن الطغاة والفاسدين قد يزدهرون لوهلة، لكنهم دائمًا يسقطون. اليوم قد يكون لهم نفوذ وسلطة، لكن حينما تتغير الموازين، سينتهي بهم المطاف في خانة المنسيين، في مزبلة التاريخ حيث يجدون رفاقهم السابقين ممن ظنوا أن “المخزن” صديقهم الأبدي.

المخزن لا صديق له

قد يمنح الحماية لبعض الوقت، لكنه لا يتحمل العار طويلًا. حين تنقلب الموازين، تُفتح الملفات القديمة، وتصبح الجرائم التي ارتكبت في وضح النهار مادة دسمة للتحقيقات والمساءلة.

إلى أين؟
الحل ليس في انتظار سقوط “علي بابا” وحده، بل في خلق وعي جماعي يحول دون ظهور نسخة جديدة منه. المجتمعات التي تستسلم لهذا العبث تصير حاضنات للفساد، أما تلك التي ترفض، فتكتب فصلًا جديدًا من تاريخ المدن النزيهة، حيث يكون العمل الجاد هو الطريق الوحيد للنجاح، وليس الاحتيال والصفقات المشبوهة.

ويبقى السؤال: متى ينكسر القفل الأخير لمغارة الفساد؟
وبينما يظن “علي بابا” أنه أذكى من الجميع، فإن الحقيقة واضحة: شتان ما بين الذكاء والمكر، فالمكر قد يمر للحظة، ولكن الذكاء هو الذي يظل مستدامًا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.