عمدة الدار البيضاء والطعارج: عندما تعزف التنمية على إيقاع العبث

ضربة قلم
يبدو أن مدينة الدار البيضاء، التي تتخبط في مشاكلها اليومية كغريق يلوح طلبًا للنجدة، وجدت أخيرًا الحل السحري لكل معضلاتها: الطعارج! نعم، لا ماء ولا كهرباء، لا طرق ولا أرصفة، لا نقل ولا هواء نقي، لكن لدينا طعارج فاخرة توزعها رئيسة المجلس الجماعي بكل فخر، وكأنها مفاتيح نهضة جديدة ستعيد الدار البيضاء إلى مجدها الضائع.
موسيقى التنمية المفقودة
في ظل تفاقم الأزمات التي يعيشها سكان الحي الحسني وغيرهم من البيضاويين، يأتي هذا الحفل الرمضاني كفصل جديد من فصول العبث. لا أحد ينكر أهمية الثقافة والفن، لكن عندما تتحول “التنمية” إلى توزيع الطعارج بدل إصلاح الطرقات وتوفير الإنارة ومعالجة أزمة النقل، فهنا يجب التوقف والتصفيق بحرارة… على هذا الإبداع في الأولويات!
هل سمع أحد من قبل أن مدينة عالمية تحتفل بحل مشاكلها عبر توزيع الطعارج؟ هل ستصبح هذه الآلات وسيلة لردم الحفر في الشوارع؟ هل سنعزف عليها بينما ننتظر الحافلات التي لا تأتي؟ ربما سنقيم حفلات طربية تحت ضوء المصابيح المحروقة في الأزقة المهملة؟
أولويات معكوسة وميزانيات ضائعة
ما يثير الغضب ليس الحفل في حد ذاته، بل الطريقة التي يُدار بها الشأن المحلي وكأننا في سيرك مفتوح. ميزانيات تُنفق على “التنشيط”، بينما الأحياء تغرق في الفوضى، مشاريع تُرسم على الورق، لكنها تتبخر قبل أن ترى النور، واجتماعات تُعقد لتدارس “إيقاعات التنمية”، بينما المواطن يئن تحت وطأة الأزمات الحقيقية.
هل فكر أحد في تخصيص هذه الأموال لتحسين الخدمات الصحية المتردية؟ ماذا عن دعم الجمعيات التي تكافح لإحداث تغيير حقيقي؟ أم أن “الصخب” أهم من الإصلاح؟
الطعارج كرمز لسوء التسيير
ربما لم تدرك السيدة العمدة أن هذه الطعارج أصبحت رمزًا لكل ما هو غير منطقي في تسيير المدينة. إنها تجسد عقلية “التغطية على المشاكل بالفرجة”، وكأن المسؤولين يقولون للسكان: “نحن نعرف أنكم تعانون، لكن إليكم طبلة لترفهوا عن أنفسكم قليلاً!”
وفي الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من تدني جودة الخدمات، يتفنن المجلس الجماعي في خلق مواد دسمة للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت التعليقات المتهكمة:
- “الدار البيضاء غرقانة، لكن على الأقل عندنا آلات إيقاعية ممتازة!”
- “مبروك علينا، كل حي سيحصل على فرقة موسيقية بدلاً من خدمات الصرف الصحي!”
- “نطالب بمزمار رسمي لكل مواطن، علّنا نعزف لحناً يبكي عليه المسؤولون!”
إلى أين؟
لا أحد يعترض على دعم الثقافة والفن، لكن حينما تكون المدينة في حالة يرثى لها، وحينما تُهدر الأموال العامة على أمور ثانوية، فإن الأمر يصبح أقرب إلى المزحة السمجة.
الدار البيضاء بحاجة إلى من يعزف على أوتار التنمية الحقيقية، لا إلى مسؤولين يعزفون على الطعارج، فالمواطن لا يبحث عن إيقاع جميل بقدر ما يبحث عن حياة كريمة في مدينة تستحق أن تكون في مستوى تطلعاته.
ويبقى السؤال: ما هي الآلة الموسيقية التالية التي ستوزعها الجماعة؟ وهل سنصل إلى مرحلة توزيع الكمنجات لحل أزمة النقل، أو النايات لمواجهة أزمة السكن؟ في انتظار الجواب، استعدوا لدورة ميزانية جديدة… على إيقاع الطعارج!