مجتمعاقتصاد

عندما يصبح السمك المغربي أرخص في أسواق أوروبا من أسواقنا الأصلية… فلتُرفع الأقلام وتجف الصحف!

ضربة قلم

نحن المغاربة، شعب البحر والصحراء، نعيش على سواحل تمتد لأكثر من 3500 كيلومتر، نطل بفخر على المحيط، ونشاهد أسماكنا وهي تسبح بحرية قبل أن تشد الرحال إلى أوروبا، حيث تباع بأسعار أقل مما نشتريها نحن في أسواقنا الشعبية! نعم، إنه الواقع الذي لا يمكن تفسيره إلا بمنطق الطلاسم الاقتصادية التي لا تفهمها سوى حكومتنا الموقرة.

دول الاتحاد الأوروبي، التي لم تكن تعرف طعم السردين المغربي إلا بعد أن علَّمناها أصول التذوق الرفيع، تستورد في الشهر الأول من السنة فقط أسماكًا مغربية بأكثر من 112 مليون يورو، أي أنها تحصل على هدايا بحرية قيمة، بينما نحن هنا نحصل على… لا شيء، سوى الصدمة عند رؤية الأسعار في الأسواق.

فلنأخذ مثالًا بسيطًا: النرويجيون، الذين تعيش بلادهم نصف العام في الظلام والنصف الآخر في البرد القارس، استوردوا أسماكًا بقيمة 613 مليون يورو، وكأنهم قرروا إقامة مهرجان عالمي للسلمون دون إخبارنا. الصين، بلد المليار نسمة، اشترت بـ135 مليون يورو، وآيسلندا، الجزيرة الصغيرة ذات السكان الذين يعدون على أصابع اليد مقارنة بنا، أخذت ما قيمته 116 مليون يورو. كل هذه الدول تحصل على الأسماك التي تصطادها مراكبنا، بينما نحن نحصل على حسرة عميقة عند رؤية أسعار «الحوت» في الأسواق.

ثم تأتي الصدمة العظمى: أسماكنا، التي تسافر آلاف الكيلومترات عبر البحار إلى أوروبا، تباع هناك بسعر أرخص من ثمنها في المغرب! تخيل أنك صياد مغربي، تستيقظ فجراً، تبحر لساعات، تصطاد السمك بجهد جهيد، ثم تبيعه بثمن زهيد في المزاد، ليتم تصديره إلى فرنسا أو إسبانيا حيث يمكن للزبون الأوروبي شراءه بسعر أقل مما يجده المواطن المغربي في الدار البيضاء أو أكادير!

أما الطامة الكبرى، فهي أن حكومتنا الموقرة لا تزال تتحدث عن «تشجيع المنتوج الوطني»، وتُطربنا بشعارات «الاستهلاك المحلي»، في حين أن المواطن يجد السردين، الذي كنا نعتبره وجبة الفقراء، يتحول إلى منتج فاخر تُقرر ميزانيته قبل التفكير في شرائه. أما الروبيان، والكلمار، وسمك موسى، فهذه أصبحت أسماء لا تُذكر إلا في أحاديث السياح أو في نشرات الأخبار الاقتصادية!

لكن لا تقلقوا، أيها المواطنون، فالحلول دائماً جاهزة: إذا كنتم لا تستطيعون شراء الأسماك، يمكنكم بكل بساطة الاستمتاع بمشاهدتها في التلفاز أثناء بث التقارير عن نجاح صادرات المغرب من المنتجات البحرية. أو ربما تفكر الحكومة في إصدار قرار يقضي بأن يكون شراء السمك «بالقرعة»، أو عبر منصة إلكترونية تُمكِّن المواطنين من المزايدة على كيلوغرام واحد من السردين كأنه لوحة فنية نادرة!

المفارقة العجيبة أن الأسماك المغربية التي تجد طريقها إلى موائد الأوروبيين ليست فقط طازجة ولذيذة، بل تباع بأسعار في متناول الجميع هناك، في حين أن المواطن المغربي يضطر إلى التفكير مرتين قبل شراء حفنة صغيرة من «الكروفيت» أو علبة سردين معلب تُباع وكأنها تحفة أثرية من العصر الفينيقي.

ولأن لكل مهزلة بطل، فإننا لا يمكن أن ننسى الدور العظيم الذي تلعبه لوبيات تصدير الأسماك، تلك التي تُخبرنا أن ارتفاع الأسعار راجع إلى العرض والطلب، متناسية أن الطلب داخل المغرب مرتفع والعرض يُرمى في أحضان الأوروبيين بصفقات مغرية!

والآن، ما الحل؟ هل نطالب بجعل السمك سلعة مدعمة مثل السكر والزيت؟ هل ننتظر ظهور أسماك صناعية مطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد؟ أم نواصل أكل العدس والحمص ونكتفي بمشاهدة وثائقيات عن الحياة البحرية على شاشة التلفاز؟

أياً كان الجواب، فالمؤكد أن المغاربة يعيشون تناقضًا غريبًا: نحن بلد يطل على المحيط، لكنه يواجه أزمة في أسعار السمك، في حين أن من لا يملكون بحارًا ولا صيادين يأكلون من خيراتنا بأرخص الأثمان. وكأننا وُلدنا لنكون مزودين للعالم بالثروات، بينما نكتفي نحن بالمشاهدة عن بعد. ويبقى السؤال معلقًا في الهواء: متى يصبح المواطن المغربي أولى بخيرات بلاده؟

وحتى لا ننسى، فالشعب الذي تبيع غالبيته أصواته في سوق النخاسة الانتخابية، ها هم من صوتم عليهم ينتقمون منكم بلا رحمة، فهنيئًا لكم بالاختيارات العظيمة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.