الرأي

غزة والنووي الإيراني: ملامح صفقة كبرى تتبلور في الظل

محمد كزاوي

أنا ممن يتابعون نبض الشرق الأوسط لا كهاوٍ، بل كقارئ متمرّس يدرك أن الأحداث الكبرى لا تقع أبدًا في فراغ. ومنذ أن بلغت الحرب الإسرائيلية–الإيرانية ذروتها، لاحظت تحولًا تدريجيًا من لهجة التصعيد إلى لغة دبلوماسية أكثر برودًا. لم يكن ذلك محض صدفة، بل نتيجة تحركات تجري خلف الأبواب المغلقة، بهدوء مدروس.

في هذا السياق، وردت تسريبات من دوائر قريبة من حملة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تشير إلى استعداد مبدئي لاستئناف المفاوضات النووية مع إيران. لم تُعلن هذه التسريبات بشكل رسمي، لكنها انتشرت في وسائط بحثية وصحفية موثوقة، والأهم أنها ظهرت في ذروة التوتر العسكري، ما قد يكون مؤشرًا على “صفقة كبرى” تُطبخ بهدوء.

الربط مع غزة… ضرورة تحليلية لا ترف تنظيري

لا أعتقد أن أي تهدئة بين تل أبيب وطهران ستمر دون مقابل سياسي ملموس، وهناك مؤشرات متزايدة تجعل من غزة طرفًا مباشرًا في هذه المعادلة، لا مجرد ضحية جانبية.

أقول ذلك استنادًا إلى:

  • تصاعد الضغط الدولي، من دول مثل فرنسا، جنوب أفريقيا، والبرازيل، على إسرائيل لتخفيف الحصار عن غزة؛
  • الموقف الأميركي الحالي، المتسم بصمت علني مقابل خطاب تفاوضي محسوب يُبث من محيط ترامب؛
  • تقارير إعلامية عربية ودولية تتحدث عن رسائل دبلوماسية غير معلنة تربط تهدئة إقليمية بتحسين الوضع الإنساني في القطاع.

🔹 Le Monde – لوموند (12 يونيو 2025):
“بروكسل تناقش ربط التعاون العسكري مع إسرائيل بإجراءات لتخفيف الحصار عن غزة.”

كيف تتقاطع هذه المعطيات في تقديري؟

وفق تحليلات لمؤسسات كـ معهد واشنطن والمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإن أي اتفاق مع إيران لن يتم دون “تنازلات إنسانية محسوبة”. وتبدو غزة، في هذا السياق، ورقة تفاوضية محتملة: رفع جزئي للحصار، مقابل خفض النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان، بل وحتى في غزة نفسها.

🔹 Reuters – رويترز (17 يونيو 2025):
“ترامب: نريد من إيران التخلي كليًا عن برنامجها النووي، ومستعدون لإرسال مبعوث لمفاوضات جديدة.”

🔹 Reuters – رويترز (16 يونيو 2025):
“إيران تطلب من دول الخليج إقناع ترامب بوقف إطلاق النار مقابل مرونة في الملف النووي.”

وهم… أم سيناريو قابل للتحقق؟

لست من أنصار المبالغة، لكن من منظور واقعي، أصبح الربط بين الملف النووي الإيراني ورفع الحصار عن غزة مطروحًا بقوة ضمن سيناريوهات “الصفقة الصامتة”… الصفقة التي قد تُرضي الجميع، دون أن تبدو كتنازل مباشر من أي طرف.

  • الولايات المتحدة بحاجة إلى تهدئة.
  • إيران تبحث عن مكاسب رمزية لفصائلها الإقليمية.
  • إسرائيل قد تقبل ببادرة إنسانية تحفظ ماء وجهها دبلوماسيًا.
  • الاتحاد الأوروبي يريد تقدّمًا ملموسًا لتهدئة المنطقة.

من يفرض هذا الربط؟

لا توجد جهة واحدة. بل هو نتاج تراكمي لضغط سياسي دولي (أوروبي، جنوبي، إنساني)، إرهاق إقليمي، وحاجة مشتركة لتجميد المواجهات المتعددة الجبهات.

🔹 Déclaration commune de l’UE (7 ماي 2025):
“استمرار الحصار يُعرقل أي أفق لسلام دائم.”

خلاصة تحليلي:

غزة، التي طالما وُضعت على هامش الصراعات الإقليمية، قد تكون هذه المرة في قلب لعبة التوازنات الكبرى. ليس حبًا بها، بل لأنها ورقة إنسانية قابلة للتفاوض والتسويق الدبلوماسي، وسط معركة نووية صامتة بدأت تتشكل بين أطراف الصراع.

وأنا كمحلل، لا أرى مفاجأة في أن يربط العالم مصير ملف نووي بمصير حيّ مكتظ بالمحاصرين.
ذلك لأن السياسة لا تبحث عن العدالة… بل عن الصفقة الممكنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.