فاتح ماي في المغرب… صوت الطبقة العاملة يُرفع، وصوت المتقاعدين يُهمّش

ضربة قلم
بينما تتجه الأنظار في المغرب إلى ما ستحمله الساعات القادمة من جديد على مستوى الحوار الاجتماعي، يحتفل العالم بعيد الشغل في أجواء تتفاوت بين التفاؤل والحذر، وبين المكاسب المنتزعة والمطالب المؤجلة. لكن وسط كل هذا الزخم، يبرز صمتٌ ثقيل ومقصود تجاه فئة كانت بالأمس في الصفوف الأمامية للدفاع عن كرامة العمل وحقوق العمال: فئة المتقاعدين.
في كل موسم لفاتح ماي، تُرفع اللافتات، وتُجهز الشعارات، وتُنسق الكلمات التي سيلقيها زعماء النقابات، لكن نادرًا ما نجد من يُفرد فقرة واحدة للمتقاعدين، وكأنهم خرجوا من جغرافيا النضال الاجتماعي، بعدما خرجوا من سوق العمل. مع أنهم يظلون رقماً أساسياً في معادلة العدالة الاجتماعية، ومرآة واضحة لكيفية تعامل الدولة مع أبنائها حين يُنهكون عرقًا وخدمة ثم يُحالون إلى التقاعد.
المتقاعد المغربي، في الغالب، يُدفع إلى هامش الحياة. معاش هزيل، خدمات صحية متدهورة، إقصاء شبه تام من أي نقاش اجتماعي أو سياسي، ونظرة مجتمعية تقزيمية ترى فيه مجرد “عالة” بدل أن تُقدّره كرمز لتاريخ من العمل والبذل.
وفي الوقت الذي تناقش فيه الحكومة والفرقاء الاجتماعيون رفع الحد الأدنى للأجور أو تحسين ظروف الشغل، يغيب الحديث عن الرفع من معاشات التقاعد التي لا تواكب لا تكاليف المعيشة ولا كرامة الإنسان. ويظل نظام المعاشات نفسه في المغرب هشاً، مبنياً على منطق الإذعان لا الإنصاف، وعلى تدبير حسابي بارد، لا بعد إنساني واجتماعي.
ثم ماذا عن التغطية الصحية للمُتقاعدين؟ وعن أولئك الذين لا معاش لهم أصلًا؟ وماذا عن الأرامل والذين أفنوا زهرة عمرهم في قطاعات غير مهيكلة؟ هل يُعقل أن يُستثنى هؤلاء من أي إصلاحات مستقبلية مرتقبة؟
الاحتفال بعيد الشغل لا يجب أن يكون فقط مناسبة لاستعراض العضلات النقابية أو تذكير الحكومة بوعودها، بل أيضًا لحظة اعتراف وتقدير لمن حملوا المشعل لسنوات وسلّموه وهم مثقلون بالإرهاق… وهم اليوم يكتفون بالمراقبة من بعيد، على هامش الحياة السياسية والاجتماعية.
فإذا كان الحوار الاجتماعي المرتقب يحمل فعلاً نية إصلاحية، فعليه أن يضع المتقاعد المغربي في قلب أولوياته:
مراجعة منظومة المعاشات؛
تعميم الولوج إلى التغطية الصحية الجيدة؛
الاعتراف القانوني والاجتماعي بدور المتقاعد؛
إشراك ممثلي المتقاعدين في صياغة السياسات العمومية ذات الصلة.
إن فئة المتقاعدين ليست “مخزون صمت”، بل رصيد وطني يفرض احترامه، ومكوّن اجتماعي لا ينبغي تركه يتآكل في صمت الشيخوخة والتهميش.
وعليه، فإن احتفالات فاتح ماي هذه السنة، يجب أن تكون صرخة مزدوجة: صرخة من أجل كرامة الشغيلة، وصرخة من أجل رد الاعتبار لمن كانوا بالأمس في طليعة الكفاح، ويستحقون اليوم أكثر من مجرد “ذكرى رمزية”.
Good https://is.gd/N1ikS2
Very good https://is.gd/N1ikS2