مجتمع

فاجعة في عرض بحر طنجة: البحر يبتلع صيادًا وينجو أربعة من براثن الموت

ضربة قلم

في فاجعة جديدة تهز قلوب أهل البحر وتعيد إلى الواجهة هشاشة ظروف الصيد التقليدي في المغرب، شهدت سواحل مدينة طنجة صباح اليوم الأربعاء حادث غرق مأساوي لقارب صيد تقليدي كان يقل خمسة صيادين، مما أسفر عن وفاة أحدهم وإنقاذ الأربعة الآخرين بعد تدخل سريع من فرق الإنقاذ. ورغم أن الأرواح التي أُنقذت تُمثل بارقة أمل وسط الألم، إلا أن الحادث يلقي الضوء مجددًا على المعاناة اليومية التي يواجهها رجال البحر في سبيل لقمة العيش.

ووفق المعطيات الأولية المتوفرة، فإن القارب تعرض للغرق في عرض البحر بعد أن تسربت إليه كميات كبيرة من المياه نتيجة الأمواج المرتفعة التي اجتاحت المكان، خاصة في منطقة “كاب سبارطيل” المعروفة بتياراتها العنيفة ومناخها البحري المتقلب. وقد وجد الصيادون أنفسهم في وضع حرج وسط المياه الباردة والأمواج العاتية، في لحظات فارقة بين الحياة والموت، قبل أن تنجح فرق الإنقاذ في الوصول إليهم بعد إطلاق نداءات استغاثة عبر أجهزة الاتصال أو عبر إشارات ضوئية من القارب، التي من المرجح أنها ساعدت في تحديد موقعهم.

الصيادون الخمسة الذين غامروا بحياتهم في رحلة صيد لا تتجاوز نصف ساعة من التوغل في البحر، لم يكونوا يتوقعون أن تتحول مغامرتهم إلى كابوس. وفي غياب ما يكفي من وسائل السلامة على متن العديد من قوارب الصيد التقليدي، وفي ظل تقلبات الطقس المتكررة وغياب الرادارات وأجهزة التنبيه، تظل مثل هذه الحوادث تتكرر كل عام، مخلفة وراءها أسرًا مفجوعة وأرامل وأيتام، ومزيدًا من الأسى في صفوف مجتمع يعيش على إيقاع البحر.

مصادر من غرفة الصيد البحري أكدت أن القارب كان في حالة عادية، لكن الظروف الجوية السيئة وارتفاع الأمواج ساهما في تسرب المياه إلى داخله وغرقه بسرعة. هذا المعطى يعكس مرة أخرى هشاشة هذه القوارب الصغيرة التي غالبًا ما تكون مصنوعة من الخشب، وتفتقر إلى الصيانة الدورية أو التطوير التكنولوجي، في ظل ضعف الإمكانيات المادية لأصحابها وغياب الدعم الكافي من الجهات المعنية.

الحادث استنفر مختلف السلطات المحلية والبحرية، التي تحركت فورًا من أجل محاولة إنقاذ الصيادين، كما تم فتح تحقيق رسمي للوقوف على ملابسات ما حدث، وتحديد المسؤوليات، خصوصًا فيما يتعلق باحترام معايير السلامة البحرية، والتأكد مما إذا كانت الرحلة قد حصلت على الترخيص اللازم في ظل ظروف جوية غير مستقرة.

ورغم أن البحر مصدر رزق لألوف العائلات المغربية، إلا أن حياة الصيادين التقليديين تظل محفوفة بالمخاطر، وغالبًا ما يتحملون وحدهم تبعات تقلبات الطبيعة، دون حماية اجتماعية أو تأمين يغطي حوادث الغرق أو الفقدان. وفي هذا الإطار، تطرح الواقعة سؤالًا ملحًا حول مدى قدرة السياسات العمومية على حماية هؤلاء الجنود المجهولين الذين يواجهون الموت كل يوم في سبيل سد رمق أسرهم.

القصص المؤلمة التي تتكرر في السواحل المغربية من حين لآخر، كان من الممكن تجنب الكثير منها لو تم تزويد قوارب الصيد التقليدي بأجهزة تحديد المواقع، وسترات النجاة، وتدريبات دورية على مواجهة حالات الطوارئ. لكن الواقع يُظهر أن هذه الإجراءات لا تزال بعيدة المنال، في ظل غياب إرادة حقيقية لتأهيل القطاع وضمان كرامة العاملين فيه.

فاجعة اليوم في طنجة هي أكثر من مجرد حادث عرضي؛ إنها ناقوس خطر جديد يدعو إلى إعادة النظر في السياسات البحرية وفي ظروف عمل الصيادين التقليديين، بما يضمن الحد من الخسائر البشرية وتوفير بيئة عمل أكثر أمنًا وإنسانية. لقد نجا أربعة صيادين من الموت بأعجوبة، لكن واحدًا آخر غرق إلى الأبد، تاركًا وراءه عائلة مفجوعة وألمًا عميقًا في قلوب أهل البحر، الذين يعرفون أن البحر لا يرحم، لكنهم مع ذلك يعودون إليه كل يوم، لأن لا خيار لهم سواه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.