
ضربة قلم
الاستعداد للجفاف… ولكن لمن؟
في خضمّ التحديات البيئية التي يعيشها المغرب، تتسارع جهود الدولة لتطويق أزمة الجفاف التي أصبحت تهدد الأمن المائي والغذائي للملايين، وتُقلق المستقبل الزراعي والصناعي لعدد من الجهات.
فمن برامج تحلية المياه، إلى تعبئة الموارد السطحية والجوفية، إلى مشاريع الربط بين الأحواض المائية، يظهر أن المغرب قد دخل رسميًا مرحلة التأهب الدائم لمواجهة تداعيات التغير المناخي.
وفي هذا السياق، أعلنت الحكومة عن مشروع ضخم لتحلية مياه البحر بجهة الدار البيضاء–سطات، يوصف بأنه الأكبر من نوعه، وأحد الحلول الاستراتيجية لمعضلة الجفاف المتفاقمة.
لكن سرعان ما تحوّل هذا المشروع الطموح إلى محور جدل واسع، ليس حول جدواه التقنية، بل حول من سيجني ثماره؟ ومن يتحكم فعليًا في صناعته وتمويله؟
الجفاف كمشروع تجاري
المعلومة التي لا يمكن أن ينساها المواطن المغربي بسهولة:
الفائز بصفقة تحلية المياه الكبرى ليس سوى شركة “Green of Africa”، التابعة لمجموعة “أكوا كروب” التي يملكها رئيس الحكومة عزيز أخنوش، والتي ستنجز المشروع إلى جانب شركة إسبانية، بتمويل عمومي جزئي وإعفاءات استثمارية ضخمة.
الجهة التي وافقت على المشروع؟ اللجنة الوطنية للاستثمار.
ومن يرأس هذه اللجنة؟ نفس الشخص: رئيس الحكومة.
أي أن من أطلق الصفقة بصفته مسؤولًا حكوميًا، هو نفسه من فاز بها بصفته رجل أعمال.
فأي نموذج هذا الذي يُحوّل الأزمة إلى فرصة ربح خاص؟
وأي رسالة نبعث بها للمستثمرين والناخبين، حين يذوب الحد الفاصل بين المال والسلطة؟
تضارب المصالح… وسكوت المؤسسات
رغم تحركات محتشمة من بعض نواب المعارضة، لا سيما من حزب العدالة والتنمية، فإن أغلب المؤسسات التزمت الصمت، كما لو أن ما جرى أمر عادي.
لكن المتتبع يدرك أن الأمر يمسّ جوهر التوازن المؤسساتي:
- هل يمكن لرئيس حكومة أن يستفيد من مشروع ضخم وهو من يُقرر فيه؟
- أين هي هيئات الحكامة والنزاهة؟
- وأين هو دور الإعلام العمومي في التقصي والتفسير؟
تضارب المصالح في هذه الصفقة لا يطرح فقط إشكالات قانونية، بل يُضعف ثقة المواطن في الدولة ومؤسساتها، ويُكرّس شعورًا بالتمييز واللامساواة.
منطق “الربح للأعلى… والجفاف للأسفل”
بينما يعيش الفلاحون في البوادي معاناة حقيقية، ويضطر المواطنون لتقنين استهلاكهم اليومي للماء، يحق لنا أن نتساءل:
من يستثمر في هذه المعاناة؟
ولماذا يُحمَّل الشعب نتائج أزمة… بينما تُمنح فرص الربح للنخبة المتنفذة؟
إن الجفاف ليس فقط أزمة طبيعية، بل أصبح في المغرب أيضًا أداة لإعادة توزيع الثروة لصالح من هم أصلاً في القمة.
خلاصة: بين الواجب الأخلاقي والوافع المر
لسنا ضد الاستثمار، ولسنا ضد تحلية المياه، لكننا ضد أن تُستخدم السلطة العمومية لخلق الثروة الشخصية.
ضد أن يتحوّل منصب المسؤول إلى منصة للصفقات.
وضد أن يدفع المواطن الثمن مرتين: مرة من جيبه كممول، ومرة من كرامته كمُستغَل.
إن مصائب قوم عند قوم صفقات،
وفي مغرب اليوم، بات من الصعب أن تفرّق بين رجل الدولة ورجل الأعمال… لأنهما قد يكونان نفس الشخص.




