مجتمع

في الزاوية الضيقة من المدينة الصغيرة: معاناة الشخص المختلف الذي يرى في كل حركة عملية تجارية

ضربة قلم

كلنا نملك أحبابًا وأعداء، وهذه حقيقة لا يمكن الهروب منها في أي مجتمع بشري. لكن حين تتحول الحياة إلى لعبة تجارية بحتة، حيث يرى الفرد في كل موقف، في كل علاقة، في كل خطوة، فرصة للربح أو الخسارة، حينها نكون أمام شخص يفتقد لأبسط معاني الإنسانية. هو ليس مجرد شخص يخالف الأعراف أو يرفض التقاليد، بل هو شخص يرى الحياة “صفقة” لا غير، يخوضها بلا رحمة ولا مراعاة لمشاعر أو قيم الآخرين.

في مدينة صغيرة حيث يعرف الجميع الجميع، حيث لا يمكن لأي شخص أن يتحرك دون أن تلتقطه عين مراقبة، يوجد شخص يحاول بكل قوته أن يقتنص من كل حركة وكل ابتسامة فرصة للربح. لا فرق لديه بين البشر أو الأشياء؛ فكل شيء في حياته، حتى أبسط العلاقات الإنسانية، هو “صفقة”. وهذه الصفقة قد تكون لقاءً عابرًا، فرصة تجارية، أو حتى لحظة ضعف يمكن استغلالها لصالحه الشخصي. هو شخص لا يُنظر إليه كما يراه الناس في البداية: شخصية معقدة، مستقلة، مختلفة، بل هو في الحقيقة يمثل الأسوأ في هذا النوع من التفكير المشوه.

ما يثير الاستغراب أن هذا الشخص لا يُكره ظلمًا. في واقع الأمر، هو جزء من المجتمع، ولكن سلوكه وتصرفاته تجعله مرآة لواقع مرير من الخداع والاستغلال. يراه الناس في البداية كأحدهم، لكن مع مرور الوقت، يكتشفون أن كل شيء يدور في فلكه الشخصي، ولا شيء يعنى بالنسبة له سوى استغلال اللحظات التي يتواجد فيها لتحقيق مكاسب فردية. هو الشخص الذي لا يمانع في التلاعب بالعلاقات، في تقطيع الطريق لتحقيق أغراضه دون النظر إلى الأضرار التي يمكن أن تلحق بمن حوله.

ألم يكن يعتقد أنه بالذهاب إلى تلك الزاوية الضيقة من المدينة، حيث لا أحد يراقب، يمكنه ممارسة كل ما يحلو له؟ ولكنه لا يعرف أن هذه الزاوية كانت ستكون سجنه، وأنه قد حُشر في زاوية ضيقة تلتهمه ببطء. لأنه، وفي النهاية، لا توجد صفقات مربحة في عالم خالٍ من القيم. كل عملية تجارية في النهاية تحتاج إلى شيء من الأخلاق، وإذا كانت هذه العملية تقوم على الكذب والاحتيال، فلا بد أن تنكشف في يوم من الأيام. وفي كل خطوة، يزداد المجتمع حوله قسوة، وكل شخص قد اكتشف أخيرًا أنه ليس مجرد شخص مختلف، بل هو شخص يرى أن كل شيء قابل للتداول والشراء.

وفي النهاية، لم يعد هذا الشخص المختلف مجرد حالة فردية. أصبح رمزًا للمجتمع الذي تحول إلى تجارة كبيرة حيث كل شيء قابل للتفاوض. هذا الشخص يعيش على الهامش، لكن لا يراه الناس كضحية للمجتمع، بل كجزء من اللعبة التي تجري في شوارع المدينة الصغيرة وملاعبها وكل مرتع يسيل اللعاب. لم يعد مجرد شخص “مختلف”، بل أصبح شخصًا يُحتقر ويرفضه الجميع لأنه أصبح يعرف كيف يبيع كل شيء، بما في ذلك نفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.