
ضربة قلم
في المغرب، لا يمكن للمرء أن يمر مرور الكرام دون أن يلاحظ أن هذا البلد، الذي يملك تاريخًا طويلًا وعراقة ثقافية عميقة، يحتفظ بالكثير من الظواهر الاستثنائية التي تجعله مختلفًا عن أي مكان آخر. لا تكاد تجد موضعًا في هذا البلد دون أن ترافقه بعض الأحداث والظروف التي يندر أن تجدها في بقية العالم.
أحد أبرز هذه الظواهر هو وجود حزب سياسي مثل حزب الأصالة والمعاصرة الذي يتزعمه ثلاث شخصيات سياسية في وقت واحد. نعم، في سابقة لم تشهدها الساحة السياسية المغربية من قبل، اختار هذا الحزب أن يتخطى النموذج التقليدي لقيادة الحزب من خلال رجل واحد. بل وتضاف إلى ذلك التحديات الداخلية التي مر بها الحزب، لتستمر المعادلة الحزبية في المغرب محكومة بنمط فريد يصعب تقليده في أي مكان آخر. كيف لحزب سياسي أن يتشكل من ثلاث رؤوس؟ في المغرب، يصبح هذا سؤالًا عابرًا لأنك ببساطة ستجد إجابة لا تشبه أي إجابة في العالم!
ومن الأمور الاستثنائية أيضًا هي تلك التحولات المفاجئة التي تشهدها الحياة السياسية المغربية. ففي بلدٍ يقال فيه أن “حين تكون خالتك في العرس، قد تصبح أنت في يوم من الأيام وزيرًا”، تتضح معالم هذه التحولات السريعة من خلال قصة رجال ونساء دخلوا السياسة من باب المصادفة، ثم أصبحوا في اليوم التالي في أعلى المناصب. ربما كان أحدهم مجرد مواطن بسيط، لا يملك سوى “الواسطة” أو المعرفة الاجتماعية أو حتى الكاريزما الشعبية، ليصبح بعد وقت قصير وزيرًا، أو مسؤولًا حكوميًا، أو حتى مديرًا ذا وزن سياسي. ما يميز المغرب هنا هو تلك العفوية التي تتخلل مسارات التعيين والتوظيف في المناصب العليا، حيث العلاقات الشخصية قد تكون في بعض الأحيان أكثر قوة من الكفاءة.
لعل البعض يظن أن السياسة في المغرب “متحجرة” ولا تتغير، لكن سرعان ما تَحضر المفاجآت. فبينما يعتقد البعض أن التغيير السياسي في المغرب بطيء، يأتي يومٌ يتولى فيه رجل بسيط، لا يعرفه إلا أهله وأصدقاؤه، منصبًا سياسيًا رفيعًا بفضل حزبٍ قد يتزعمه أكثر من شخصية واحدة، لتزداد الأمور تعقيدًا، فيمنحك هذا التغيير المفاجئ شعورًا أنك في بلد لا حدود لإبداعاته وتحدياته.
ولنتحدث عن ورزازات، المدينة التي تعتقد أنها مختبئة بين الجبال لكن في واقع الأمر، هي محط أنظار السينما العالمية! من يظن أن المدينة الصغيرة التي تقع في جنوب المغرب قد تصبح النسخة المغربية لما يُسمى بـ “هوليود”؟ إنها ميني هوليود! نعم، قد يبدو الأمر غريبًا، لكن في قلب هذه المدينة الصغيرة يتم تصوير العديد من الأفلام العالمية الكبرى مثل “مملكة السماء” و”ألم الفارس” و”أسطورة” وغيرها من الأفلام التي جعلت ورزازات تتألق كأحد أبرز المواقع السينمائية في العالم. ففي حين أن هناك مدنًا في العالم مثل نيويورك ولوس أنجلوس تعرف بأنها “مدن الأفلام”، ورزازات أثبتت للعالم أن معالمها الطبيعية قد تصنع سحرًا لا يقل عن أي موقع آخر.
لكن إذا كنت تعتقد أن الأمر يتعلق فقط بالأفلام والمناصب السياسية، فلربما لا تكون قد سمعت بعد عن الظاهرة المغربية التي يعرفها الجميع ولكن لا أحد يستطيع تفسيرها: “الصراع على الإرث”، ورحلة ألف ليلة وليلة في دهاليز المحاكم، حيث في بلدٍ يستمد فيه الكثير من تقاليده من العادات القديمة، يظل الحق في الإرث موضوعًا يشعل الخلافات في الكثير من الأسر المغربية. لكن الغريب هنا هو كيفية تحوّل هذه القضايا إلى معركة اجتماعية وثقافية، يتداخل فيها الواقع مع التقاليد، ليغذيها أحيانًا الطموح الشخصي. قد تجد أن شخصًا يفقد كل شيء في لحظة، ولكنه في المقابل قد يربح كل شيء في يوم واحد فقط إذا لعب أوراقه بشكل صحيح.
وفي مدينة مراكش، التي تعد إحدى أكبر الوجهات السياحية في المغرب، يتداخل سحر التاريخ مع سحر الحاضر بطريقة فريدة، فلا يمكنك أن تمر من خلال أسواقها القديمة في قلب المدينة دون أن تشعر بحضور روح العصور القديمة، ولكن وفي ذات الوقت، تجد نفسك محاطًا بأفخم الفنادق وأحدث تقنيات الضيافة، ليعيش الزوار تجارب مزيج من الحداثة والأصالة في آن واحد. ومن بين هذه الأمور الاستثنائية في مراكش، هو حضور كبار الشخصيات الدولية ونجوم العالم، الذين يفاجئون الجميع بزيارات غير متوقعة، والتي تصبح جزءًا من كل موسم سياحي في هذه المدينة.
المغرب، بكل عجائبه ومفاجآته، يبقى مكانًا لا يشبه أي مكان آخر، وعبورك من خلاله يظل دائمًا يحمل نكهةً استثنائية تتنقل بين الماضي والحاضر.
وفي الختام، يمكن القول أن في المغرب، كما يُقال في الأمثال الشعبية، “الذي توجد خالته في العرس يمكن أن يكون مديرًا قد الدنيا أو حتى وزيرًا.” هذه المقولة ليست مجرد نكتة عابرة، بل هي تصوير حقيقي للواقع السياسي والاجتماعي في البلاد. فالمغرب هو بلد يمتزج فيه الطابع الرسمي بالعلاقات الاجتماعية القوية التي يمكن أن تقلب المعادلات وتُفاجئ الجميع. لا يخفى على أحد أن الحياة السياسية في هذا البلد قد تكون في بعض الأحيان مليئة بالتقلبات والمفاجآت، حيث يمكن لمجرد معرفة شخص في مكان معين أو علاقة عائلية بسيطة أن تفتح أمامك أبواب الفرص الكبيرة.
هنا في المغرب، العبرة ليست دائمًا بالكفاءة أو الجدارة بمقدار ما هي بالقدرة على الاستفادة من الفرص، وفي بعض الأحيان، كلما كانت لديك علاقات أقوى أو معرفة عميقة بالآخرين، فإن ذلك قد يُفضي بك إلى مناصب قد تحلم بها، بل وقد تكون أرفع مما كنت تتوقع. ففي النهاية، سواء أكنت صاحب كفاءة أو مجرد “شخص في العرس”، قد تجد نفسك بين عشية وضحاها في منصب كبير يتطلب منك اتخاذ القرارات التي تؤثر في مستقبل الناس والمجتمع.
وهكذا، يبقى المغرب بلدًا يُحتفل فيه بالفرص الاستثنائية التي قد تأتي من حيث لا ندري، حيث لا يمكن للأمور أن تكون بالضرورة كما نتصور أو نخطط لها.