مجتمع

في المغرب: حتى الجوع لا يعفيك من الحسد إن نطقت بالحق!

محمد صابر

في المغرب، قد لا تملك المال، ولا الجاه، ولا حتى سقفًا يقيك شمس الخطابات الجوفاء… لكنك، إن امتلكت الكلمة، فقط الكلمة، فإنك تصبح مشروع أسطورة.
هنا، في هذا البلد الذي ورث ذاكرة من النضال، الشعب مفتون بالديمقراطية… حتى وإن لم يُقنعه المشهد السياسي، يظل مولعًا بذلك الشخص الذي يرفع صوته في وجه القبح، ويقف أعزل إلا من لغته.

حين تجرؤ على قول “لا” وأنت تعرف أن “نعم” أسهل وأريح، يعجب بك الناس، وربما يحسدونك أيضًا، لا لأنك غني أو محظوظ، بل لأنك ببساطة لا تخاف.
تقول رأيك، وتضرب المثل، وتصير حديث المجالس الصغيرة، والصالونات الشعبية، والمقاهي التي تتلو نشرات الأخبار كما لو أنها أناشيد وطنية.

الناس هنا قد يختلفون معك، يعارضونك، لكنهم يحترمون فيك شيئًا داخليًا لا يُقاس بالدراهم: “الجرأة”، الكلمة الحرة، القدرة على الوقوف في وجه تيار لا يُهزم إلا بالأصوات العالية، لا العنف.
وإن كنت تسكن بيتًا بلا بلاط، فثباتك على مواقفك يجعل منك رمزًا.
بيت مخلّي؟ لا مشكلة. الأهم أن قلبك عامر.

والحسد هنا ليس حسدًا خبيثًا، بل نوع من الغبطة التي تقول: “كيف استطاع أن يقولها؟ كيف نطق بما نحن نفكر فيه منذ سنوات ولم نجد له عبارة؟”
في داخله، المغربي يعشق من يقولها صراحة، دون لف أو دوران، يعشق من يحوّل الغضب إلى جملة موزونة، ومن يحوّل القهر إلى موقف.

نعم، قد يهمس البعض: “واش ما خافش؟ راه تجرّأ بزاف!”، لكنك تعرف، ويعرفون، أن هذا الخوف الجماعي هو ما يجعل الشجاعة عملة نادرة، ولذلك تُحترم وتُحسد وتُراقب باستمرار وتقوم بتشغيل وفد…

في المغرب، الصوت الجريء ليس ترفًا، بل مقاومة.
والكلمة الواضحة ليست موضة، بل امتحان.
ومن لا يملك إلا صوته، قد يصنع منه طريقًا، وقد يصير رمزًا حتى لو كانت جيوبه فارغة.

في المغرب، لا أحد يحتقرك لأنك فقير. فالفقر صار حالة عامة، والناس تعايشوا معه كما يتعايشون مع انقطاع الماء أيام العيد. لكن إن كنت ساكتًا؟ ساكتًا في وجه الظلم؟ حينها فقط، يتحول احترامهم لك إلى ازدراء، ويُرفع عنك “العذر الفقهي” وتُسحب منك بطاقة “ولد الشعب”.

الصمت هنا لا يُعتبر حكمة، بل خيانة. نعم، خيانة جماعية للصوت الواحد الذي قرر أن يتكلم، ووجدك تتثاءب في الزاوية، تنتظر أن ينتهي كي تُصفق… أو تُبلّغ عنه.
وأسوأ من ذلك؟ أن تصير “شيطانًا أخرسًا”، تلك الصفة التي أصبح المغاربة يطلقونها – بكل مرارة – على أولئك الذين يرون الظلم، يسمعونه، يشمّونه، يلمسونه… ثم يعودون إلى بيوتهم ليقولوا: “آش خصك آ العريان؟”

المغربي لا ينتظر منك أن تنقلب على النظام، بل فقط أن تقول: “هذا غير مقبول”.
أن تفتح فمك، لا لتأكل، بل لتتكلم.
أن تقف، لا لتعرقل، بل لتشهد.
وأن ترفض، لا بالعنف، بل بالعبارة: بالبوست، بالقصيدة، بالمقال، بالصوت… أو حتى بالصمت الهادر لا الصمت “المبلول”.

أما أن تصمت وأنت ترى الباطل يصول ويجول؟ فاعلم أن الناس لن يغفروا لك، حتى لو عشت على الخبز والشاي.
فالفقر في المغرب مبرَّر… أما السكوت، فخطيئة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.