في المغرب فقط: سجن بسبب ديك مشوي… وحرية لمن “شوى” ميزانية الوطن!

ضربة قلم
في مشهد يكشف عمق المفارقات والاختلالات التي تنخر منظومة العدالة في المغرب، شهدت غرفة الجنايات الابتدائية بمدينة طنجة قضية أقرب إلى العبث منها إلى الجريمة المنظمة، حين تمت متابعة شابين بتهم ثقيلة تصل إلى “تكوين عصابة إجرامية والسرقة الموصوفة بظروف الليل والتسلق”، بسبب سرقة ديك رومي وبعض الحمام، في واقعة قيمتها المادية لا تتجاوز 60 درهمًا.
رغم أن المتهمين اعترفا خلال الجلسة بأن الأمر لم يكن سوى “نزوة عابرة” وأنهما تراجعا قبل إتمام السرقة، ورغم تأكيدهما على أن شخصاً ثالثاً يُدعى “حماقة” هو من استولى على الديك الرومي وقام بشويه، إلا أن المحكمة أصرّت على المتابعة بتهم جنائية، وأصدرت أحكامًا بالسجن النافذ والموقوف في حق الشابين، وكأن الأمر يتعلق بعصابة محترفة نهبت بنوكًا أو مؤسسات مالية!
في المقابل، يعيش الرأي العام المغربي يومياً على وقع فضائح متلاحقة لنهب المال العام، تتورط فيها شخصيات ذات نفوذ إداري وسياسي، من رؤساء جماعات ومجالس منتخبة، إلى مسؤولين في شركات عمومية ومؤسسات مالية كبرى، اختلسوا الملايير، دون أن تمسهم يد العدالة بنفس الحزم أو الصرامة. بل في أحيان كثيرة، تُطوى الملفات، أو تتم التسويات خارج المحاكم، ويُترك المواطن البسيط يواجه وحده قسوة القانون، حين يتعلق الأمر بلقمة العيش أو نزوة دافعها الفقر.
المفارقة المؤلمة أن شابين من الهامش، بلا سوابق، ولا حصانة، تم تقديمهما كـ”عصابة إجرامية” أمام جنايات طنجة بسبب طائر، بينما نقرأ ونسمع عن شخصيات راكمت الثروات من “المال السايب”، تتجول بحرية، وتظهر في المناسبات الرسمية، بل وتمنح لها أوسمة ومسؤوليات إضافية.
فهل أصبحت العدالة في المغرب تراعي فقط من أين يأتي الجاني، لا ما ارتكبه؟ وهل نحن أمام قضاء بمكيالين: مكيال صارم للفقراء، ومرن مع علية القوم؟ ثم كيف يمكن تبرير تحويل قضية “ديك رومي” إلى جنايات، بينما لا زال الآلاف من ملفات نهب الأراضي والصناديق السوداء تنتظر الحسم أو تموت في دهاليز الإجراءات؟
المحامي، مشكورًا، دافع عن موكليه ببساطة الواقع: المسروقات لا تتعدى 60 درهماً، ولا حاجة لعرض القضية على جنايات، بل أمام محكمة ابتدائية. لكن يبدو أن القانون، حين يتعلق بالبسطاء، يطبق بمنتهى الصرامة، وكأن فيه “غضبًا” متأخرًا على من لا حول له ولا نفوذ.
إن هذه القضية ليست مجرد حدث طريف يُروى، بل مرآة تعكس اختلالاً عميقًا في مبدأ الإنصاف والمساواة أمام القانون. فإذا كنا نؤمن حقًا بدولة الحق والقانون، فليبدأ هذا الحق من حيث يتجلى الظلم: من أعماق الأحياء المهمشة، حيث قد يُسجن شاب بسبب ديك، بينما “يفلت الكبار” بما لذ وطاب من الصفقات والاختلاسات والريع.
Very good https://is.gd/N1ikS2
Good https://is.gd/N1ikS2
Awesome https://is.gd/N1ikS2