مجتمع

في انتظار “جولة أبريل”: هل سيكون المتقاعدون جزءًا من التغيير؟

ضربة قلم

في ركن قصي من مقاهي المدن المغربية، يجلس جنود مجهولون، لا يرتدون بزات عسكرية ولا يرفعون شعارات حزبية. إنهم المتقاعدون، ضحايا “تقاعد بنكهة النسيان”، أولئك الذين قضوا أعمارهم في العمل، واليوم يقضون بقية العمر في طوابير المصحات وصيدليات التأمين.

يتابع هؤلاء المتقاعدون، بقلوب مرهقة، تطورات الحوار الاجتماعي كما يتابع المغاربة مباريات المنتخب الوطني: بأمل كبير ونتائج صغيرة. فبعد أن “تكرفصوا” في جولة أبريل 2024 التي حملت قليلا من الخير لموظفي الدولة والحد الأدنى للأجور، عادوا ليُصفقوا من بعيد، دون أن تُدرج أسماؤهم في خانة المستفيدين، وكأنهم من سكان مجرة أخرى أو فرع منسي من العائلة المغربية.

اليوم، ومع اقتراب جولة أبريل 2025، يردد المتقاعدون، لا شعبيًا بل بنبرة فلسفية، قول الحسن الثاني: “كبرها تصغار”… لكن الواقع يُجيبهم بصراحة: ، “حسن التدبير” الذي لا يُرى، و”حسن النية” الذي لا يُصدّق، و”حسن الحظ” الذي لا يزورهم إلا في الإعلانات التلفزية.

فهم كبروا فعلاً، والملف صغّرهم حتى صاروا مجرد أرقام في تقارير الصندوق المغربي للتقاعد، الذي أعلن بدوره قرب نفاد أرصدته سنة 2028، وكأنه يطالبهم بلطف: “بلا زحام، خرجو واحد بواحد”.

لكن لا تخافوا، فالحكومة “الموقرة” – والتي تعشق العناوين الكبيرة والإصلاحات الهيكلية – وعدت بإصلاح شامل في إطار “نظام القطبين”، وهو نظام يبدو في نظر المتقاعدين كقطبين متجمدين: واحد يتجمد في انتظار الإصلاح، والآخر في تجميد المعاشات.

المتقاعد المغربي، هذا الكائن الاقتصادي المنقرض تقريبًا، يتلقى تقاعدًا لا يكفي إلا لشحن الهاتف وحجز موعد لدى الطبيب. ومع ذلك، يُطالَب اليوم بالصبر والتحمل، وربما – بحسب ما يُروج في كواليس الإصلاحات – بالاستعداد لبلوغ سن التقاعد عند 65 سنة! وهو ما دفع بعضهم للتعليق بمرارة: “زيدونا حتى لـ75 وخليونا نموتو فالخدمة… على الأقل يتهنى الصندوق”.

أما “الثالوث الملعون” – رفع سن التقاعد، وزيادة الاقتطاعات، وتخفيض المعاشات – فقد أصبح هاجسًا يوميًا للمتقاعدين، إلى حد أن البعض باتوا يُقسمون أن أي مسؤول يتحدث عن “الاستدامة”، يعني فعليًا “استدامة الشقاء”.

ووسط كل هذه السخرية المريرة، لا تزال النقابات التي لم تحرك ساكنا خلال العام الماضي، تطالب بـ”حوار حقيقي”، بينما الحكومة ترد بـ”سنعمل على دراسة المقترحات”، ما يجعل المتقاعد يُصاب بالحول السياسي: لا يرى فرقًا بين الحوار والتبرير، وبين الإصلاح والتقشف.

وفي انتظار المخرجات، لا يزال المتقاعدون يحلمون بمعاش يكفي لشراء علبة دواء دون الدخول في مفاوضات مع الصيدلاني أو الاكتفاء بـ”مرهم شعبي” يُقال إنه يعالج كل شيء، من الروماتيزم إلى قلة الحيلة.

فهل تكون جولة أبريل 2025 بالفعل “جولة الخلاص”، أم مجرد “جولة في حلقات الزمن الرديء”؟
هذا ما ستقرره الحكومة… في نشرة المساء، أو في بلاغ يَصدر بعد فوات الأوان.

ويا للمفارقة! فبينما يتحول الحوار الاجتماعي إلى صراع مصالح بين “رجال الدولة” و”رجال الأعمال”، يغيب “رجل البارح”… ذاك الذي بَنى المدرسة، وحمل الطباشير، وساق الحافلة، وسهر في مراكز الصحة، وأدار محولات الكهرباء، وصان الأرصفة… يُطلب منه اليوم أن “يتفهم” الوضع، ويصبر، ويؤمن بإصلاحات لا تأتي إلا حين تنفد صلاحيته البيولوجية.

كل طرف في المفاوضات يريد “العدالة”، لكن كلٌّ على طريقته: الحكومة ترى العدالة في التوازن المالي، والنقابات تراها في انتزاع المكاسب، والباطرونا تراها في خفض كلفة اليد العاملة… وحده المتقاعد يرى العدالة في أن يشتري دواء الضغط دون أن يُصاب بالسكتة القلبية من ثمنه.

نحن أمام جولة حوار ليست كسابقاتها. جولة قد ترسم ملامح الشيخوخة في هذا البلد: هل ستكون شيخوخة كريمة تُحترم، أم “خروجًا مؤقتًا” من الحياة الاقتصادية والاجتماعية؟ وهل ستبقى الدولة الاجتماعية شعارًا يُرفع في البيانات، أم تتحول إلى وعد يمكن لمسه في تقاعد عادل، وتأمين صحي غير انتقائي، ومعاش يحترم شيخوخة من شقوا طريقهم بالحلال؟

الأسئلة كثيرة، والأجوبة لا تزال “قيد الدراسة”. وبين لجنة وأخرى، يبقى المتقاعد المغربي على الهامش، يفتش في دفاتر عمره عن لحظة “اعتراف” من وطنٍ يبدو أنه نسيَ من صنعوا الأمس ليعيش هو اليوم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.