في جماعة مرس الخير: إدارة تُقفل أبوابها والحج يُعطل الجبايات والرئيس لا يدري!

ضربة قلم
في جماعة مرس الخير، يبدو أن القانون الإداري يأخذ منحى فوضويًا خاصًا، وكأننا أمام كيان مستقل داخل الدولة يسير وفق أعرافه الداخلية لا وفق القوانين المنظمة للعمل الإداري العمومي. فكيف يُعقل أن يُغلق مكتب قسم الجبايات المحلية بشكل كلي، لمجرد أن الموظف المسؤول توجه لأداء مناسك الحج، دون أن يتم تعويضه أو تعيين من ينوب عنه، ودون حتى إشعار المرتفقين؟ والأدهى من ذلك، حين يتصل المواطنون المتضررون بالرئيس، يكون الجواب صادمًا: “لا أعرف”، وكأن المسؤولية مجرد لقب إداري لا يُلزم صاحبه بأي تتبع أو مساءلة.
ما يجري ليس فقط استهتارًا بمصالح المواطنين، بل هو عنوان صارخ على العبث الإداري، حيث تُرهن ملفات المواطنين وتُجمّد حقوقهم فقط لأن الموظف المعني “في إجازة روحية”. فهل تتحمل الإدارة العمومية في بلد ينص دستوره على ربط المسؤولية بالمحاسبة أن يتوقف مرفق عمومي أساسي بغياب موظف واحد؟ وأين هي مقومات استمرارية المرفق العمومي؟ أليس من صلب الواجب الإداري أن تُضمن الخدمة بصفة دائمة ومنتظمة؟ أم أن الحج أصبح بمثابة “عطلة إدارية مطلقة” تُمنح دون ترتيب ولا تعويض؟
أما ما يحدث في مساطر التزود بالماء الصالح للشرب، فليست بأقل غرابة. إذ بعد أن يستوفي المواطن جميع الشروط ويُودع ملفه لدى مصالح الجماعة، يعتقد أنه بات قريبًا من الحصول على حقه المشروع، لكنه يُفاجأ بأن ملاحظات النائب المفوض لا تكفي، وأن الملف سيبقى معلقًا بانتظار زيارة شخصية من المعني بالأمر للنائب الآخر، المكلف رسميًا بالتوقيع أو اتخاذ القرار النهائي. وهنا يدخل الملف في متاهة من التأجيلات والانتظارات والتساؤلات المشروعة: لماذا لا يكون قرار النائب المفوض كافيًا؟ ولماذا يجب على المرتفق أن “يزور” النائب الآخر؟ وهل أصبحت المصالح العمومية رهينة بالاتصال الشخصي والزيارات الخاصة؟ أليست هذه الممارسات مدعاة للريبة ومجالا خصبًا للابتزاز والتسويف والتمييز في المعاملة؟
كل هذه التفاصيل تؤشر على خلل بنيوي عميق في تدبير شؤون المواطنين بجماعة مرس الخير، حيث يغيب التنسيق، وتُحتقر القوانين، وتضيع مصالح المواطنين بين تساهل بعض الموظفين وغموض في الصلاحيات، وتواطؤ ضمني في تحويل المساطر الإدارية إلى عملية معقدة وغير شفافة. فهل نحن أمام إدارة حديثة تؤمن بالخدمة العمومية، أم أننا ما زلنا نُدبر الشأن المحلي بعقلية “المخزن الصغير”، حيث المزاجية والشخصانية والولاءات تلعب دورًا أكثر من القانون نفسه؟
إن الساكنة اليوم تطالب بتدخل عاجل من السلطات الإقليمية والجهوية، للوقوف على هذه الاختلالات الخطيرة التي تمس بمصداقية العمل الإداري، وتهدر وقت المواطن وكرامته، وتحطم ثقته في المؤسسات. كما تدعو إلى فتح تحقيق نزيه لتحديد المسؤوليات، واتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة، ضمانًا لعدم تكرار مثل هذه الممارسات التي تُسيء إلى صورة المرافق العمومية.
إن جماعة مرس الخير لا تحتاج فقط إلى ضبط تنظيمي داخلي، بل إلى ثقافة إدارية جديدة تُؤمن بأن المواطن ليس مجرد رقم في سجل الانتظار، بل هو شريك في التنمية، له حقوق مشروعة ينبغي صونها، لا أن تُرهن بعطلة مسؤول أو مزاج نائب.





https://shorturl.fm/FIJkD
https://shorturl.fm/68Y8V