مجتمعالشأن المحلي

في دورة ماي لجماعة المحمدية:مستشار جماعي نطق بما يهمس به الآخرون… «ارحل، الناس ما بغاوكش!»

ضربة قلم

في مشهد يكاد لا يُصدق لولا أن “اليوتوب” لا يكذب، وبينما كانت أرواحنا المرهقة تبحث عن جرعة تسلية موسمية مجانية على هامش دورة ماي لمجلس جماعة المحمدية، خرج علينا فيديو قصير، لكنه يحمل من الرمزية أكثر مما تحمل خطب سياسية مطولة تُكتب على سبورة وتمحى بالمنديل. في هذا الفيديو، نرى مستشارًا جماعيًا معارضًا، ينظر بثقة متناهية إلى هشام أيت مانة، رئيس المجلس الجماعي، ثم يُطلق تلك الجملة العجيبة المركبة التي صارت نشيدًا رسميًا في مجالس المغرب: “ارحل، الناس لا يحبونك.” بدت العبارة وكأنها قادمة من شخص انتظر طويلاً خلف الستار، لا ليُقنع، بل ليُعبر من خلالها عما يخالج الآخرين على مرأى من الجمهور، مستغلاً اللحظة لا ليقول ما يجب، بل ليقول ما يُؤلم.

كلمات قليلة، لكن وقعها الثقيل يهز البلاط البلدي أكثر من زلزال الحوز. “ارحل” هذه ليست مجرد لفظ عابر، إنها الترجمة المحلية لصرخة “ديكاج” التونسية، ونسخة مغربية رديئة من الموجة التي أسقطت رؤساء وأنظمة، لكنها هنا تُستخدم فقط لإسقاط قنينة ماء من على الطاولة، أو على الأكثر، لسد شهية الرئيس عن وجبة الكسكس بعد الجلسة. أما “الناس لا يحبونك”، فهي جملة تستحق أن تُنقش على جدران مقرات الأحزاب كتحذير، أو تُطبع على لافتات انتخابية مقلوبة، لأنها تختزل كل السخرية الممكنة من واقع السياسة المحلية: السياسي لا يُنتخب لأن الناس يحبونه، بل لأنه مول الفلوس، أو ابن أحد “الناس اللي كيعرفو كيفاش يدوزو الأمور”.

الغريب أن الجلسة كانت مفتوحة للنقاش حول الشأن العام، لكننا اكتشفنا أن ما هو عام في المحمدية ليس سوى مسلسل تركي رخيص عنوانه “صراخ، اتهامات، ثم لا شيء يحدث”. فبدل أن تُناقش مشاريع القرب، نرى وجوها بعيدة كل البعد عن القرب من هموم الناس، قريبة فقط من الميكروفونات. حتى أن الرئيس أيت مانة، الذي يُفترض أنه يمثل ساكنة المدينة، أصبح في لحظة هو نفسه المتهم، والشخص الذي “لا يحبه الناس”.

في الوقت الذي تتصارع فيه مدينتنا مع مشاكلها اليومية، يبدو أن فريق شباب المحمدية قد قرر أن يسير على درب المصير المحتوم الذي خطه له أيت مانة منذ الدورات الأولى. وكأنهم يقولون، “لماذا نكافح؟ إذا كانت المدينة نفسها قد قررت أن تسقط، لماذا لا نوافقها؟”. ففي الوقت الذي كانت فيه كرة القدم آخر ملاذ للروح الرياضية، حسم الفريق مصيره في ما يشبه الاستسلام المُعلن، كما لو أن أيت مانة قد قرر أن يُعطي ظهره للمدينة بكاملها وكأنها تمثل عبئًا ثقيلًا على كاهله. لا شك أن الرجل كان يعتقد أن هكذا يتعامل مع “أزمة” محلية، بإغلاق الأبواب، وهكذا تسير المدينة إلى الوراء في خطى ثابتة وكأنها تُسجل زمنًا ضائعًا لا أكثر.

هذا الفيديو القصير الذي خرج علينا، هو انعكاس حي للواقع الذي يتجسد في كل زاوية من زوايا المدينة. فما من شيء يتغير، إلا التغيير الذي يرونه في الصورة القديمة التي تعلق على جدران التاريخ. كان يمكن أن يكون هذا الفيديو مجرد حكاية من القصص العابرة، لكن لحظة إلقاء تلك الكلمات “ارحل، الناس لا يحبونك” كانت بمثابة كشف لمغزى أكبر: ليس الفشل هو الذي يحكمنا، بل النظرة المتعالية لمن يتوهم أنه فوق الناس. فبينما يصرخ مستشار المعارضة بتلك الكلمات، لا يصرخ لأنه يحب السياسة، بل لأنه عرف سر اللعبة السياسية في المحمدية، اللعبة التي تقوم على “من يعرف من” وليس على “من يفهم من”.

في النهاية، هل نتوقع من هشام أيت مانة أن يتغير أو أن يفكر في مصير الفريق أو المدينة؟ أم أن “ارحل” هي كل ما تبقى لنا في الوقت الذي تُسحب فيه المشاريع وتُغلق فيها الآفاق، ويبقى “الشعب” في الظل ينتظر من جديد؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.