في صمتنا، ألف حكاية عن الرجاء

محمد الفضالي
نحن لا نبكي، لا لأننا أقوياء لا ننكسر، ولا لأن الألم غادر قلوبنا، بل لأننا تعلمنا أن نحمل حزننا بصبرٍ أوسع من الدموع.
عبرنا سنوات الانتظار، وثبتنا أمام الخيبات، حتى غدونا نرتدي وجوهًا ساكنة، لا تنكسر بسهولة أمام عواصف الأيام.
البكاء لغة القلوب التي ما زالت تؤمن بالخلاص، ونحن رغم كل شيء، لم نطفئ جذوة الرجاء في أعماقنا.
ربما تضاءلت الآمال في بعض الليالي، لكنها لم تختفِ تمامًا. لا نطلب الموت هربًا، بل نتطلع إلى لحظة صفاء، إلى فسحة راحة وسط زحام الألم، إلى بداية جديدة لا تشبه هذا التعب المزمن.
كل ليلة، حين يسدل الحزن ستائره الثقيلة، نناجي أنفسنا بسؤال خافت:
“متى يكون للحياة وجه آخر؟ متى يأتي الصباح بوجهٍ أكثر لطفًا؟”
لسنا سوداويين، ولا أنانيين، نحن فقط متعبون، نحمل في قلوبنا قصصًا طويلة من الصبر، ونحاول أن نبتسم، حتى لو كانت عيوننا تحمل حزن العابرين.
ضحكاتنا ليست زائفة، بل محاولة جادة لأن نمد للحياة يدًا أخرى، علّها تلتقطنا في لحظة ضعف، وتعيدنا إلى الطريق.
نحن الذين أدركنا أن الألم جزء من الطريق، وأن العالم لا يتوقف ليمسح دموع المتعبين، بل يواصل دورانه، وعلى القلوب المنهكة أن تجد مكانها وسط الزحام.
كبرنا، لا بمرور السنوات فقط، بل بنضج الحزن الذي جعلنا نرى الأشياء على حقيقتها، فابتسمنا برفق، وآمنا أن لكل ألم نهاية، ولكل خيبة بداية جديدة تُبنى على ركام ما سقط.
ثمة جراح عميقة لا تظهر للعيان، لكنها تعلمنا كيف نواصل السير بخفة من تعلم أن لا شيء يبقى كما هو، لا ألم ولا خيبة.
نحن لا نصرخ في وجه العالم، ولا ننتظر إنصافه، لكننا نحمل في أعماقنا حلمًا خفيًا: أن نصل يومًا إلى ضفة سلام داخلي، أن نجد فسحة نور وسط هذا الركام.
لهذا نتعلق بالحياة، رغم قسوتها أحيانًا، لأننا نؤمن أن وراء العواصف أفقًا مفتوحًا، وأن لكل خريف قاسي ربيعًا ينتظر خلف الأبواب.
في النهاية، لسنا أبناء الخيبة، بل أبناء الصبر الطويل، نعرف أن الأيام الصعبة لا تدوم، وأن تحت رماد الحزن، هناك دومًا قبسٌ صغير من الأمل لا ينطفئ.
نعيش بين شوكةٍ ونسمة، بين حنينٍ وخطوة جديدة، مؤمنين أن كل ليل مهما طال، يعقبه فجرٌ دافئ لا بد أن يأتي.