دفاتر قضائية

قائد تمارة المصفوع يحتفل… والحامل النازفة خلف القضبان!

ضربة قلم

في بلد يُروّج فيه للعدالة كميزان لا يميل إلا للحق، صدرت الأحكام اليوم وكأنها نُسخت من نص درامي خيالي، حُبك بمداد الولاء لا المنطق، وبحبر المحاباة لا الاستقلالية. لقد أسدلت المحكمة الابتدائية بتمارة الستار عن حلقة جديدة من المسلسل العجيب “القائد والمصفوعة”، بنهاية تُرضي من بيده العصا، وتكوي في صمت من أنهكها النزيف خلف القضبان.

شيماء، الشابة الحامل، التي لم تكن تملك لا نفوذاً ولا شهادة طبية ولا لقباً سلطوياً، حُكم عليها بسنتين حبسا نافذاً، وكأنما صفعت القضاء نفسه، لا موظفاً في الإدارة. أما زوجها، فحكموا عليه بسنة، ربما لأنه “لم يمنع الصفعة”، وأخوه بستة أشهر، لأنه على الأرجح كان حاضراً، ولو بالصمت. أما المتهم الرابع، والذي يبدو أنه لم يُعرف له دور محدد في الفيديوهات المتداولة، فقد نال سنة ونصف، فقط ليكتمل “العدد” في لوحة الاتهام.

وهكذا، تم تصديق سيناريو القائد الذي تلقى “لطمتين”، ثم انتقل إلى بطل درامي يحتاج شهراً من التعافي النفسي والبدني، بينما الحامل التي تنزف منذ اعتقالها لم تكن سوى “معتدية”، لا تستحق إلا زنزانة ضيقة وملفاً ثقيلاً.

لم يسأل أحد اليوم: كيف يمكن لشخص عاجز عن العمل أن يتابع بنفسه أطوار القضية، ويزور المحامي، ويكتب الشكايات، ويمارس الضغط برشاقة؟ كيف يمكن لشهادة طبية غامضة، بلا اسم مصحة، صادرة عن طبيبة مختفية متخصصة في “حوادث الشغل”، أن تُعتمد دليلاً قاطعاً في سجن أربعة أشخاص؟ بل لماذا لم تُستدعَ هذه الطبيبة للمثول أمام المحكمة؟ أم أن بعض الشهادات فوق الاستجواب، لأنها تحمل توقيعاً “مباركاً”؟

هل تحوّلت السلطة إلى ضحية أبدية؟ قائدٌ يحمل على وجهه احمراراً “أسطوريًا” تحول إلى قرينة دامغة تدين امرأة تنزف في سجنها، وزوجًا يتيم الدفاع، وأخًا لم يجد سوى حائط الزنزانة ليشكو له الظلم.

لقد أصبحت القصة، لا محالة، جزءًا من مسلسل طويل اسمه “المغرب غير النافع”، حيث القائد يتمدد على سرير الراحة، بينما المواطن، خصوصًا إن كانت امرأة، يتألم في صمت، يُجَرّ إلى العدالة، ثم يُختم ملفه بالعبارة المبتذلة: “الحكم ابتدائي وقابل للاستئناف”.

وفي ظل غياب ميزان العدل، سيحتفل القائد اليوم لا بشفائه، بل بانتصار السلطة على المواطن البسيط، وسيطيل لحيته وهو يضحك ساخرًا من “شهر الألم”، الذي لم يمنعه من حضور الجلسات و”التحرك كالنحلة”. وربما، وهو يحتسي قهوته، سيفكر في لطمة أخرى، بطابع مختلف، تمدد له عطلة الصيف، وتُسكت من يرفع رأسه، ولو للحظة، في وجه “الهيبة”.

لكننا، نحن، من لا يملكون سلطة ولا شهادة طبية، سنظل نطرح السؤال: هل العدالة في هذا البلد فعلاً عمياء؟ أم أنها ترى جيدًا… لكنها تغمض عينها حين يكون الطرف المصفوع غير محظوظ بما يكفي ليكون “قائدًا”؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.