قاضي الأسرة: خبير في إنهاء علاقات الآخرين… وفاشل في إنقاذ نفسه!

ضربة قلم
هل تذكرون تلك المذيعة، التي كانت تملك القدرة على جذب انتباه عدد كبير من المستمعات والمتابعين لبرنامجها الإذاعي؟ كانت تلك الفترة هي ذروة حضور الراديو، حيث كان يشكل مصدرًا أساسيًا للترفيه والمعلومات. كانت تتلقى عشرات المكالمات يوميًا، وكانت دائمًا تحاول أن تكون السند لمن يطلبون نصائحها حول مشاكلهم، سواء كانت عاطفية أو اجتماعية. في جملة واحدة، كانت امرأة محبوبة، ومنشطة ناجحة، لها قاعدة جماهيرية لا يستهان بها.
لكن فجأة، وفي لحظة من لحظات الضعف الإنساني، أجهشت بالبكاء على الهواء، مطالبة مواساة المستمعين لمأساتها الشخصية. تحدثت عن حياتها الزوجية التي كانت قاب قوسين من الانهيار بسبب إدمان زوجها على الخمور. كان ذلك الرجل الذي كان يدخل البيت يوميًا في حالة من السكر، مشوّشًا تمامًا، لا يستطيع الحفاظ على تماسكه ولا يراعي مشاعر زوجته. كانت قد وصلت إلى نقطة اللاعودة، حيث كاد الطلاق يكون الخيار الوحيد المتبقي.
ولكن ماذا عن القاضي الذي كان يتخصص في قضايا الطلاق والزواج في المحمدية؟ إنه نفس القاضي الذي كان يعد جزءًا من المنظومة القانونية التي تتولى إنهاء علاقات الناس، وكان يملك صلاحيات كبيرة ليفصل بين الأزواج ويساعد في إنهاء النزاعات. كان هذا القاضي المتخصص في قضاء الأسرة، الذي يفترض أن يقدم الحلول القانونية للأزمات العاطفية، يعيش في دوامة مشابهة. لا أحد كان يعرف بالضبط كم مرة تزوج وكم مرة طلق. ربما هو نفسه فقد العد، فقد كان يدخل ويخرج من علاقات متعددة، وكأن حياته الخاصة ليست أفضل حالًا من الحالات التي كان يفصل فيها في المحكمة. ولكن ماذا عن أحكامه الشخصية؟ هل كان يعرف كيف يخرج من تلك الدوامة؟ من كان “يفكه” في تلك القضايا العاطفية التي تتكرر في حياته؟ كان هو نفسه يقع في نفس الفخاخ التي كان يساعد الآخرين في الخروج منها.
إن هذه القصص الإنسانية، التي قد تبدو غريبة في ظاهرها، تُظهر أن القاضي الذي كان يُطلق الأزواج ويُساعدهم في بناء حياتهم، كان يُجابه نفس الصراعات التي لا يمكن للناس الهروب منها. كان يتعامل مع القضايا العاطفية على طاولة المحكمة، لكنه كان يواجهها بنفسه خارجها. ربما كان هو الآخر بحاجة إلى من يفك قيوده، ويمنحه بعض الراحة النفسية. وكان هذا التداخل بين حياته الشخصية والمهنية هو ما جعله يفتقد في كثير من الأحيان التحكم الكامل في مصير علاقاته.
الحقيقة المرة التي لا يمكن تجاهلها هي أن الإنسان مهما كان في منصب أو كان يتمتع بالقدرة على مساعدة الآخرين، فإنه لا يمكنه الهروب من مشاعر الضعف التي تواجهه في أوقات صراعاته الشخصية. وربما هذا ما جعل القاضي يعيش في حالة من التشتت الدائم بين وظيفته التي يتطلب منها أن يكون حكيمًا ومتحفظًا وبين حياته الشخصية التي كانت تشبه تلك القضايا التي كان يحكم فيها.
هل سبق وأن تخيلتم قاضيًا يخصص حياته للفصل بين الأزواج، يحكم بالطلاق والزواج ويضع الحلول لكل الخلافات الزوجية التي يعرضها عليه المجتمع؟ هذا القاضي، الذي يعكف على قضايا الطلاق والزواج يومًا بعد يوم، كان يبدو وكأنه جزء من هذه الدوامة التي يديرها بكل براعة. ربما لا تعلمون كم مرة تزوج وكم مرة طلق، فقد كان ذلك أمرًا غامضًا ومبهمًا للجميع، كما لو أن حياته الشخصية هي ذاتها لغز لم يتمكن أحد من حله. هذا القاضي، الذي يقف بين الأزواج ليصدر أحكامًا حاسمة في مصيرهم العاطفي، كان هو نفسه عالقًا في دوامة لا تنتهي من العلاقات المعقدة.
ولكن هل تساءلتم يومًا: من كان “يفكه” في أحكامه الشخصية؟ من كان يقف إلى جانبه عندما كان يواجه مشاعره العميقة والمتضاربة؟ نحن نعلم جميعًا أنه كان يتخذ قرارات مصيرية في حياة الآخرين، لكن هل كان قادراً على اتخاذ تلك القرارات في حياته الخاصة؟ هل كان يعامل قضاياه الشخصية كما كان يعامل قضايا الآخرين؟ هل كان يستطيع فصل عمله عن مشاعره، أم أن حياته الشخصية كانت مجرد مرآة لقصصه المهنية؟