مجتمع

قانون المسطرة الجنائية: التعديلات التي لا تنتهي والقدسية التي لا تمسّ!

ضربة قلم

في ندوة علمية وطنية بمدينة القصر الكبير، اجتمع ثلة من القانونيين ليتباحثوا في “مشروع قانون المسطرة الجنائية ورهانات حقوق الإنسان”، لكن بدل أن يجدوا قانونًا حديثًا يواكب التطورات، اكتشفوا أن المشرّع المغربي لا يزال متمسكًا بعشق غير مشروط لتسمية “المسطرة الجنائية”، وكأنها نص مقدس لا يقبل التغيير، رغم أن الاتفاقيات الدولية تتحدث عن “الإجراءات” لا “المساطر”، لكن من نحن لنناقش حكمة المشرّع في اختيار الكلمات؟

القاضي شريف الغيام، نائب الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بتطوان، لم يخفِ استغرابه من هذا التمسك العجيب بالتسمية، مشيرًا إلى أن الاتفاقيات الدولية تتحدث بلغة “دقيقة”، في حين أن المشرّع عندنا يُصرّ على الحفاظ على عناوين لا تتناغم مع المفاهيم الحديثة، وكأن الأمر مسألة تراثية لا مسألة قانونية. بل ويذهب إلى أبعد من ذلك، حيث يوضح أن مفهوم “قرينة البراءة” نفسه مجرد مصطلح مشرقي غامض، يفترض أن البراءة قابلة للإثبات، بينما الاتفاقيات الدولية تتحدث عن “الحق في البراءة” لا عن قرينة تحتاج إلى إثبات!

أما الأستاذ علال فالي، فقد بدت عليه علامات الإرهاق من كثرة التعديلات التي طالت هذا المشروع، والتي بلغت بين 100 و200 تعديل! الرجل قالها صراحة: “كان من الأفضل أن نضع قانونًا جديدًا بدل أن نقوم بعملية ترقيع قانون مهترئ”، لكن يبدو أن حب المشرّع المغربي للمسات التجميلية أقوى من رغبته في التغيير الجذري.

وعلى صعيد الاعتقال الاحتياطي، كشف الأستاذ الجامعي أن القانون الجديد يسعى إلى تقليص عدد المعتقلين الاحتياطيين داخل السجون، ربما لأن الاكتظاظ صار لا يُطاق، أو لأن السجون المغربية لم تعد قادرة على استقبال المزيد. وهكذا، قد نصل إلى نسب أقل من بلدان أخرى، ليس لأن العدالة باتت أكثر إنصافًا، بل لأن الأرقام وحدها تفرض نفسها!

أما القاضي عماد الجهاد، فقد ناقش فكرة “أنسنة” التدابير المقيدة للحرية، وكأن المشرّع اكتشف فجأة أن الحراسة النظرية تحتاج إلى “لمسة إنسانية”! وهكذا، تم إدخال تعديلات مثل عدم جواز تمديدها إلا بقرار قضائي، مع اقتراح تسجيل التحقيقات بالصوت والصورة، في خطوة تُوحي وكأننا أمام برنامج توثيقي لا تحقيق قضائي.

باختصار، مشروع قانون المسطرة الجنائية ليس إلا فصلاً جديدًا من مسلسل الإصلاحات المغربية: تعديلات بالجملة، مصطلحات فضفاضة، وتشبث غريب بعناوين فقدت صلاحيتها منذ زمن. أما عن حقوق الإنسان؟ فلنقل إن النقاش لا يزال مفتوحًا… وربما سيظل كذلك للأبد!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.