قضية التازي: حين تتحوّل مبادرات الخير إلى شبهات

ضربة قلم
في بلد مثل المغرب، حيث يتقاطع الواقع الصحي الصعب مع هشاشة اجتماعية متفاقمة، يصبح التبرع فعلًا بطوليًا، وتتحوّل مبادرات الخير الفردية إلى ضرورة تكمّل تقصير المنظومة. ومن هنا، يطرح ملف الدكتور حسن التازي، طبيب التجميل المعروف، أسئلة جوهرية حول الخط الرفيع الفاصل بين الإحسان والاتهام، بين المبادرة الشخصية و”الاستغلال” الذي تصفه النيابة.
دون الانخراط في خطاب الضحية أو تبرئة مطلقة، من واجب الرأي العام أن ينظر إلى هذه القضية بعدسة أوسع من مجرد الاتهامات الموجهة، وأن يقرأ السياق المهني والإنساني الذي نحت فيه الدكتور التازي لنفسه مسارًا خاصًا. ليس الأمر مجرد طبيب ناجح، بل رجل كُرم بوسام ملكي لما قدمه في ميدان التطبيب المجاني لحالات حارقة.
هل كان التازي خصمًا؟ أم مشروع حليف لم يرضخ؟
في كواليس هذه القضية، كثير من التناقضات تثير الريبة: كيف يتحوّل اسم دكتور قضى سنوات في التخفيف من آلام الناس، واستقبل مرضى لا تطرق أبوابهم سوى المصحات التجارية، إلى “زعيم شبكة للاتجار بالبشر”؟ أليس من المشروع أن نتساءل إن كان هذا الملف بدأ فعلاً بعد “رفض التازي الاشتغال مع أطراف نافذة” كما تروج بعض التسريبات؟
إنها ليست المرة الأولى التي يُحفر فيها قبر اجتماعي لأشخاص رفضوا أن يكونوا أدوات طيعة في يد لوبيات المال أو السلطة. والتاريخ المغربي -غير البعيد- حافل بأسماء كُسرت لأنها فقط رفضت “الالتحاق بالركب”.
بين النيّة الطيبة والتأويل الجائر
إن جوهر الاتهام يدور حول فكرة “الاستغلال الممنهج” لحالات اجتماعية من خلال صور أو وساطات لجلب التبرعات. لكن، أليس هذا هو منطق كل العمل الخيري في عصر التوثيق؟ من من الجمعيات لا تصور مرضاها؟ من من المنصات لا توثق بالصورة والاسم والحالة؟ هل باتت الصورة دليل إدانة بدل أن تكون وسيلة للإقناع؟
بل أكثر من ذلك، أليست الدولة نفسها تعتمد على التوثيق الإنساني لحملات التضامن الرسمي؟ وإذا كانت النية سيئة، فلماذا لم يُفتح الملف قبل سنوات حين كان التازي يمارس “ذات الأفعال” تحت أضواء الإعلام؟
مقاربة عقابية بدلًا من حماية النموذج الإنساني
ما يثير القلق في هذه القضية، ليس فقط التهم، بل ما بعدها. فحتى إن سلّمنا بوجود بعض التجاوزات الإدارية أو ضعف الحوكمة في التنسيق مع المحسنين، هل يعالج ذلك بعقوبات قاسية وإدخال الطاقم بأكمله السجن؟ أليست هناك وسائل قانونية لتقويم العمل الخيري دون تدميره؟ أليس في ذلك رسالة ضمنية لكل من يفكر في مدّ يده للمساعدة: “إياك أن تنجح دون إذن”؟
التازي لم يكن تاجر أو مضارب في الصفقات العمومية، بل طبيب. وإذا سقط بعض من حوله في أخطاء مهنية، فهل يُعاقب الرأس بدل مراجعة الهيكل؟
ما بعد القضية: محاكمة النوايا أم نهاية التضامن؟
خسارة التازي لم تعد فقط شخصية، بل لها وقع اجتماعي ونفسي على آلاف المرضى الذين كانوا يطرقون باب “مصحة الشفاء” كملاذ أخير. هل فكرنا في آثار هذه القضية على العمل الخيري في المغرب؟ كم من طبيب أو فاعل سيتردد في المستقبل قبل أن يقول “أنا مستعد للمساعدة”؟ هل نريد فعلاً أن نربّي جيلاً من المحسنين الخائفين؟
منذ بدايات القضية، لم تتضح للرأي العام خيوط ثابتة، بل سيطر عليها منطق “الإشاعة”، وامتزج القانون بالضغط الإعلامي. وهي خلطة خطيرة إن استمرّ اعتمادها كسلاح لتصفية الحسابات أو تقليم الرؤوس “غير المرغوب فيها”.
كلمة أخيرة: لا للشماتة، نعم للعدالة
الدكتور التازي قد يكون أخطأ، أو وقع ضحية سوء تقدير في التنظيم. لكن تحويله إلى “مجرم” في نظر الرأي العام قبل إصدار الحكم، يضعنا أمام خطر المحاكمة المسبقة والتشهير القاسي. يجب أن نمنح العدالة وقتها، ونمنح الرجل ما يستحقه من احترام لما مضى من جهده.
وإذا ثبتت براءته، فإننا أمام واجب الاعتذار، لا فقط للرجل، بل لكل القيم التي أهينت في طريق هذه المحاكمة.
وجدير بالتنويه أن هذه القضية لا تزال معروضة أمام القضاء المغربي، الذي نثق في استقلاليته وحرصه على إحقاق الحق، سواء بتأكيد البراءة أو إثبات الإدانة. وما هذه القراءة إلا محاولة لتحليل السياق العام دون التدخل في صميم المسار القضائي.