قليش نجم التلفزة: الماستر المغربي يُبث على الهواء… مع الشحن والتوصيل!

ضربة قلم
في بلاد يُحسب فيها حامل الشهادة كأنما ارتكب إثماً، وتُعد فيها المسطرة أهم من الأفكار، لم يعد الماستر علماً يُطلب، بل سلعة تُشترى من عند “قليش مول الشواهد”، ذاك التاجر العجيب الذي قرر أن يجعل من الفكر قالبًا بلاستيكياً يدخل ضمن عروض الخردة الأسبوعية. ومن يدري؟ قد تحصل على ماستر في القانون الدولي وتحصل معاه على طقم كؤوس هدية، أو ماستر في الاقتصاد وتحصل معه على شاحن سيارة. “قليش” لم يكن يومًا عبقريًا، لكن البلاد صارت مناسبة تمامًا لنبوغه المقلوب. بدأ حياته بائعًا لبطاقات التعبئة، وها هو اليوم يبيع بطاقات “ماستر”، مع إمكانية “الشحن السريع” لمن كان مستعجلاً على تقديم ملف الدكتوراه أو اجتياز امتحان ولوج قبة البرلمان. آه، لو عرف أرسطو أن الفلسفة ستباع يومًا في كيس بلاستيكي مع عبارة “بضاعة ممتازة، مرقمة في الأكاديمية”، لقلب الطاولة على أفلاطون واشتغل حدّادًا.
لكن المصيبة لا تقف هنا. فبعد أن ظل “قليش” يبيع الماستر بـ25 مليون سنتيم كما يُباع “الموطور” في السوق السوداء، تفجّرت الفضيحة الكبرى حين عُثر في الحساب البنكي لزوجته المحامية على ما مجموعه 8 مليارات سنتيم. مبلغ لا يجمعه حتى لاعب في الدوري الإسباني الرديف، ولا يحصل عليه باحث صادق ولو ألف أطروحة عن أخلاقيات المهنة.
ومع ذلك، حين تسربت الحكاية إلى بعض القنوات الدولية، لم يجد “قليش” حرجًا، بل اعتبرها دعاية مجانية لمشروعه الطموح…
وسائل الإعلام الأجنبية لم تصدق ما رأت. ظنّت في البداية أن الأمر فيلم وثائقي عن إفريقيا المنسية، لكن الحقيقة كانت أكثر غرابة: هؤلاء “الطلبة” لا يتحدثون عن علم، بل عن تسعيرة. تُفتح أطروحات الماستر كما تُفتح قوائم الأسعار في المقاهي. “بغيت شي ماستر ديال العلاقات الدولية؟ هاهو، جيب غير الفلوس، ومعاه توصية من أستاذ ما كيعرفكش”، وإن أردت مستندًا يُثبت أنك حضرت المحاضرات، فعليك بدفع مبلغ إضافي مقابل توقيعات “شرفية”. أما الزبائن، فهم على كل لون. هناك من يشتري شهادة لابنه المدلل الذي لم يحضر يومًا لمحاضرة، وهناك الموظف الذي ملّ من الرتبة الإدارية ويريد ترقيته عبر بوابة “قليش”، وهناك السياسي الطامح إلى خطاب مملوء بالمصطلحات دون فهم. كلهم تلاميذ في مدرسة واحدة: “مدرسة القفز على المجهود”. من يدفع الثمن؟ الشرفاء، بطبيعة الحال. أولئك الذين قضوا ليالي في المكتبات، يأكلون الشاي بالخبز لأن الميزانية لا تسمح بالبسكويت، والذين كانت دموعهم تسيل على صفحات البحث عندما تتعطل الحواسيب أو ينقطع التيار في لحظة حفظ الملف. أولئك الذين باتوا يُعاملون كمن اشترى شهادته من سوق القريعة، لأن سمعة الماستر أصبحت كسمعة لحم الكفتة يوم الإثنين، مشكوك فيها. فمن الآن فصاعدًا، أي حديث عن حصولك على ماستر سيُقابل بابتسامة ساخرة ونظرة تقول: “آه، من عند قليش ولا من عند الكلية؟”. حتى أساتذة الجامعات باتوا يعانون. كيف يمكنهم التمييز بين الطالب المجتهد وذاك الذي قدّم رسالته في ظرف بلاستيكي عليه شعار “مبروك النجاح” وخاتم لا يعرف له أصل؟ والحكومة؟ كعادتها في عالم آخر، تُصدر بلاغات باهتة وتُشكل لجنًا من ورق، وتُطمئن الشعب بأنها تفتح “تحقيقات معمقة”، وهي تعلم أن القاع قد تآكل، وأن الثقة بين المواطن والشهادة باتت كحبل متهالك، قد ينقطع في أي لحظة. لكننا لا نيأس، فهذه البلاد لا تموت. سيأتي يوم يُعاد فيه الاعتبار للعلم والمعرفة، ويُطرد فيه “قليش” من حرم الجامعة كما يُطرد الباعة الجائلون من أمام مقر البلدية. يوم تُصبح فيه الماستر شهادة تُحترم لا بطاقة “شحن فكري” تُباع على الرصيف. ويومها، سيكتب التاريخ: هنا دفنا زمن “قليش”، وبدأنا زمن “قلب الصفحة” بمداد الشرف لا مداد الطمع. حتى ذلك الحين، لا تنس أن تحتفظ بفاتورة الشراء، فقد تحتاجها يومًا لتُقنع لجنة التوظيف أن ما بين يديك هو شهادة ماستر، لا مجرد إيصال أداء.




