كعكة الوطن: حين تُقسم الملايين على المحظوظين ويُوزع الصمت على الباقين

ضربة قلم
لا نخفيكم سرا، بل نقوله جهرا وبأعلى صوت، أن ما يقع اليوم في ملف الأجور والتعويضات والمنافع، هو شيء أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع. كأننا نعيش في نسخة مغربية من فيلم “دو وولف أوف وال ستريت”، لكن الفرق أن الذئب هنا لا يتداول في البورصة، بل يتقاضى راتبًا عموميًا، ويجلس على كرسي من كراسي المسؤولية، ويقبض الملايين لا لشيء سوى لأنه يعرف من أين تُؤكل كتف الميزانية، أو لأنه من “وليدات الدار الكبيرة”.
نحن أمام ظاهرة جديدة تُعرف باسم “توزيع كعكة الوطن”، لكن بدل أن تُوزع بعدل على المواطنين، نجدها تقطع بعناية على مائدة ضيقة، حيث يجلس محظوظون على نخب الريع والامتياز، بينما يقف الشعب وراء الستار، يُمنع من التذوق، ويُكتفى بأن يشمّ الرائحة من بعيد.
50 مليون سنتيم شهريًا!
أجل، لا خطأ هنا. هناك من يتقاضى 50 مليون سنتيم في الشهر، أي ما يعادل ما يجنيه موظف بسيط في أكثر من 15 سنة من العمل الشريف. راتب واحد فقط يمكن أن يُغني مئة أسرة، أن يجهز مدرسة، أن يُصلح مستشفى، أن يفتح مركزًا للشباب في حي هامشي. لكن في مغرب المفارقات، تُفضل “المصلحة” على المصلحة العامة، وتُرفع الكفاءات الورقية وتُدفن الكفاءات الحقيقية في صمت مقصود.
هل المسؤولية تساوي هذا الكم من المال؟
من الطبيعي أن نُقدّر المسؤوليات الكبرى، وأن تُكافأ الكفاءات، لكن السؤال المطروح هو: هل هناك إنجازات تُبرر هذه الأرقام الفلكية؟ هل تم القضاء على الفقر؟ هل اختفت البطالة؟ هل أصبح التعليم مجانيًا بجودة عالية؟ هل استعاد المواطن كرامته في المستشفى العمومي؟ الجواب تعرفونه أكثر منا.
الواقع يقول إن مناصب عليا كثيرة لا تُدار بالكفاءة بل بالعلاقات، لا تُراقب بل تُطوّب، ولا تخضع للمحاسبة بل تُبارك من فوق.
“الكعكة” لهم، و”الفتات” لنا
في المقابل، المواطن البسيط يعيش في صراع دائم مع الواقع. يحسب الدراهم كما يحسب الشاعر القوافي، ويختار بين شراء الدواء أو أداء فواتير الماء والكهرباء. يشتغل بلا ضمانات، ويؤدي ضرائب أكثر من الشركات الكبرى، ويُلام على كل تأخر بينما تتأخر المشاريع العمومية دون محاسبة.
المؤلم في هذا المشهد أن كل هذا يحصل تحت شعارات براقة: “النموذج التنموي الجديد”، “العدالة المجالية”، “الدولة الاجتماعية”… ولكن الحقيقة أن هناك دولة في الورق، ودولة أخرى في الواقع.
رسالة للمسؤولين:
إذا كان راتبكم يساوي ما يحتاجه حي بأكمله ليعيش بكرامة، وإذا كنتم تستفيدون من تعويضات لا نهاية لها، وإذا كان ابن الشعب يُمنع من الحلم فقط لأنه وُلد في مكان خطأ، فاعلموا أنكم لا تُديرون دولة، بل تُسيّرون مزرعة.
لا أحد يطلب منكم المستحيل، فقط قليل من العدل والحياء. لا نريد أن نأكل الكعكة كلها، فقط دعونا نشارككم قطعة منها. أو على الأقل، لا تمنعونا من شمّها!