كندا: بين الولاء الرمزي للتاج البريطاني والسيادة الفعلية

إعداد: ضربة قلم
كندا تُعتبر واحدة من أكثر الدول استقلالًا في العالم، رغم أنها لا تزال تحمل روابط رمزية بالتاج البريطاني. ولكن هل هذا يعني أن المملكة المتحدة تحكم كندا فعليًا؟ الجواب القصير هو لا. فبينما يُعد الملك البريطاني رأس الدولة الرسمي، فإن السلطة التنفيذية الفعلية بيد الحكومة الكندية المنتخبة ديمقراطيًا. ومع ذلك، يبقى السؤال الأكبر: هل لهذا الارتباط الرمزي أي تأثير عملي على الحياة السياسية والقانونية في كندا؟
النظام السياسي الكندي يعتمد على الملكية الدستورية، حيث الملك البريطاني (حاليًا الملك تشارلز الثالث) يُعتبر رأس الدولة، ولكن من الناحية العملية، لا يمتلك أي سلطة حقيقية على شؤون كندا اليومية. فالحكم يُدار عبر حكومة فيدرالية منتخبة يرأسها رئيس الوزراء، ويقوم الحاكم العام بتمثيل الملك داخل البلاد. تعيين الحاكم العام يتم من قبل الملك بناءً على توصية رئيس الوزراء، لكنه لا يتخذ أي قرارات سياسية مستقلة، وإنما يمارس دورًا احتفاليًا يقتصر على التوقيع على القوانين التي يقرها البرلمان.
هذا يعني أن التاج البريطاني لا يتدخل في السياسة الكندية بأي شكل من الأشكال، بل هو مجرد رمز تاريخي يعكس ماضيًا استعمارياً انتهى رسميًا عام 1982 مع تمرير “قانون الدستور” الذي أنهى تبعية كندا القانونية لبريطانيا.
رغم أن كندا دولة مستقلة تمامًا، إلا أن مظاهر الولاء الرمزي للعائلة المالكة البريطانية لا تزال واضحة، مثل:
- ظهور التاج البريطاني على بعض الوثائق الرسمية، بما في ذلك جوازات السفر.
- قسم الولاء للملك الذي يؤديه المسؤولون الحكوميون والقوات المسلحة.
- بقاء كندا جزءًا من الكومنولث، وهي مجموعة دول معظمها كان تحت الحكم البريطاني.
كندا ليست الدولة الوحيدة التي تعيش في هذا الوضع الفريد من الولاء الاسمي للتاج البريطاني مع الاستقلال الفعلي. فهناك العديد من الدول التي تشترك معها في هذا النظام، ومنها:
- أستراليا ونيوزيلندا: أنظمة حكم شبيهة بكندا، حيث تبقى الملكية البريطانية رمزية.
- بابوا غينيا الجديدة: رغم استقلالها، فإنها تحتفظ بملكية رمزية للملك البريطاني.
- جبل طارق: لا يزال تحت الحكم المباشر لبريطانيا كأحد أقاليم ما وراء البحار.
هذه الدول جميعها تُدار بشكل مستقل، وتملك حكوماتها المنتخبة ديمقراطيًا، مما يجعل مسألة الولاء للتاج البريطاني مجرد تقليد تاريخي لا أثر له على الحكم الفعلي.
في ظل هذه الخلفية، ظهرت مواقف سياسية مثيرة للجدل، خصوصًا مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي لم يكن يُخفي تطلعاته التوسعية. في أكثر من مناسبة، أبدى ترامب إعجابه بكندا من الناحية الجغرافية والاستراتيجية، حتى أنه تحدث -ربما على سبيل المزاح، وربما عن قناعة- عن فكرة ضم كندا للولايات المتحدة. مثل هذه التصريحات، رغم عدم جديتها الرسمية، أثارت مخاوف وتساؤلات حول الاستقلال السياسي الكندي أمام الضغوط الاقتصادية والسياسية الأمريكية.
لكن الكنديين، بفخرهم بثقافتهم وسيادتهم، لا يرون أنفسهم بأي شكل جزءًا من الولايات المتحدة، رغم العلاقات الاقتصادية العميقة التي تجمع البلدين. فالهوية الكندية قائمة على التعددية الثقافية، والخدمات الاجتماعية القوية، والنظام السياسي المختلف جذريًا عن النموذج الأمريكي.
لا يمكن إنكار أن كندا تحمل إرثًا بريطانيًا عريقًا، لكن هذا لا يعني أنها ليست دولة مستقلة تمامًا في قراراتها وسياساتها. الولاء الاسمي للتاج البريطاني لم يعد أكثر من تقليد تاريخي، ولا يشكل أي عائق أمام سيادة كندا المطلقة. أما الحديث عن ضمها إلى الولايات المتحدة، فهو مجرد خيال سياسي يتجاهل الواقع التاريخي والثقافي العميق لهذه الأمة المستقلة.
في النهاية، يبقى موقف كندا فريدًا من نوعه: دولة ديمقراطية ذات سيادة، تعترف بالتاريخ دون أن تقيده قيود الماضي.