لا تحتقروا الشعب المغربي كثيرًا: إنه ليس بليدًا لهذه الدرجة!

ضربة قلم
بعنوان مكتوب بالدارجة المغربية بالحروف الفرنسية، تطل علينا شركة الاتصالات صاحبة النجوم المعطلة، معلنة بفخر بعد نهاية المباراة التي جمعت المنتخب المغربي بنظيره النيجر: “حنا معكم يا أسود”. العبارة مرفقة بلوغو الشركة، ومغلفة بقالب يوحي أن الأمر يتعلق بلقطات من المباراة، وكأن الشركة كانت تقف جنبًا إلى جنب مع الأسود، تلهث وراء الكرة، أو تصد الهجمات، أو تحتفل بالأهداف… لكن الحقيقة غير ذلك تمامًا.
معكم في الصورة، ضدكم في الفاتورة!
هذه الشركة قد تكون مع المنتخب المغربي، لكنها دون شك مع جيوب المواطنين أولًا وأخيرًا. في عالمها الموازي، الإشهار ليس مجرد ترويج للخدمات، بل هو أيضًا أداة للتمويه والتضليل. فبينما يحلم المغاربة بإنترنت سريع واتصالات مستقرة، تقدم لهم هذه الشركة وعودًا معطوبة مثل شبكتها.
سحر الإشهار: حينما تُباع الوطنية بالكيلو
الإعلانات التجارية لدى بعض الشركات لم تعد مجرد ترويج للخدمات، بل تحولت إلى خطاب عاطفي يغازل الوطنية، حتى صرنا نجد الوطنية نفسها معبأة في عروض مسبقة الدفع! مع كل تظاهرة رياضية، تبدأ هذه الشركات في ترديد شعارات مثل:
- “مع الأسود في كل خطوة”
- “من أجل الكرة المغربية”
- “دعم غير مشروط لنجاحات الوطن”
لكن، بعد انتهاء المهرجان الكروي، يكتشف المغاربة أن الشركة “مع الأسود” في الصورة فقط، وضد المستهلك في الفاتورة. لا إنترنت مستقر، لا جودة اتصال، لا تغطية محترمة، فقط عروض تسويقية براقة تخفي وراءها خدمات ضعيفة وبطاقة أسعار تُستنزف دون مقابل حقيقي.
النجوم الخافتة وشبكة العذاب
في الإعلانات، تشاهد لاعبًا دوليًا يتحدث عبر الهاتف بسلاسة، يرسل فيديوهات بجودة عالية، ويبث مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي دون انقطاع. أما في الواقع، فالمواطن العادي يحتاج إلى اعتكاف في زاوية محددة من المنزل، رفع الهاتف نحو السماء، وتقديم قربان للآلهة الرقمية حتى يتمكن من إرسال رسالة نصية دون تأخير!
أما الإنترنت؟ فحدث ولا حرج! إشارات الواي فاي تشبه أطلال مدينة قديمة، تظهر فجأة ثم تختفي. أما عند الضرورة، حينما تحاول إجراء مكالمة مهمة، تفاجأ برسالة “الشبكة غير متوفرة حاليًا، حاول لاحقًا”، وكأنك تتصل عبر نظام حمام زاجل متأخر عن الزمن.
حين يصبح المواطن المغربي مجرد “كليكي” في مخطط التسويق
إن ذكاء المغاربة ليس في حاجة إلى من يشهد عليه، ولكن بعض الشركات ما زالت تعتقد أن المستهلك المغربي كائن بليد، قابل للتلاعب عبر الإعلانات العاطفية. إنهم لا يرون فيه مواطنًا له حقوق رقمية، بل مجرد “كليكي” في مخطط التسويق، يُدفع به نحو العروض التجارية كما تُقاد الأغنام نحو السوق.
المغاربة قد يبتسمون لهذه الحيل التسويقية، لكنهم لم يعودوا ينخدعون بها. اليوم، مع تصاعد الوعي الرقمي، يعرفون أن دعم المنتخب لا يقاس بالشعارات، بل بتحسين الخدمات، بخفض الأسعار، وباحترام حقوق المستهلك. أما أن تطل علينا الشركات برسائل وطنية زائفة، بينما خدماتها أقل وطنية من أي شيء آخر، فهذه إهانة لذكاء الشعب، لا تقل عن إهانة المواطن عندما يتصل بخدمة الزبناء ويجد نفسه في ماراثون انتظار ينتهي بلا إجابة واضحة.
الرسالة واضحة: المغاربة ليسوا أغبياء!
قد يحاول بعض المسوقين أن يبيعوا لنا الوهم، لكن الحقيقة أبسط من ذلك: المغربي لم يعد يقبل أن يُعامل كزبون درجة ثانية. شركات الاتصالات التي تريد دعم المنتخب حقًا، عليها أن تبدأ بدعم جيب المواطن، بتحسين خدماتها، والالتزام بوعودها. أما تلك التي تستغل اللحظة الوطنية لمص دماء المستهلك، فلها موعد مؤجل مع الحقيقة: المغاربة قد يسامحون في كل شيء، لكنهم لا يسامحون في الاحتيال عليهم.
وختامًا، لا تحتقروا الشعب المغربي كثيرًا… إنه ليس بليدًا لهذه الدرجة!