مجتمع

لسنا عنصريين… لكن للصبر حدود

ضربة قلم

المغاربة ليسوا عنصريين. هذه حقيقة لا تحتاج إلى إثبات. فلو كانت العنصرية تطبع سلوك هذا الشعب، لما ظلّت الجالية الإفريقية الوافدة، خصوصًا من دول جنوب الصحراء، تجد مأوى لها في الأحياء المغربية الشعبية منها والراقية، وتعيش بيننا، وتشتغل في بعض القطاعات، بل وتُكَوِّن صداقات وعلاقات اجتماعية قد تتجاوز في متانتها ما يجمع بين بعض المغاربة أنفسهم. المغاربة ليسوا عنصريين لأنهم خبروا مرارة الغربة، وذاقوا طعم التنقل بين البلدان، وهم أول من يدرك أن الإنسان قد يُضطر للهجرة واللجوء في سياقات لا يعلمها إلا الله.

لكن… للصبر حدود.

لسنا ملزمين بأن نغض الطرف إلى الأبد عن ظواهر بدأت تتجاوز حدود المعقول، بل وتتفاقم بشكل بات يمسّ التماسك الاجتماعي، والسلم الأهلي، والحق البسيط في العيش الكريم والنوم في أمان. نحن لا نكره الأفارقة، لكننا نكره العبث. لا نرفض التعايش، لكننا نرفض أن يُستغلّ تسامحنا ليصبح غطاءً للفوضى والجريمة والتسول الممنهج.

في السنوات الأخيرة، ازداد توافد مواطنين من دول جنوب الصحراء الإفريقية بشكل لافت إلى المغرب، ليس فقط عبر القنوات الرسمية أو في إطار اتفاقيات التعاون أو من أجل الدراسة الجامعية أو العمل في القطاعات التي تحتاج إلى يد عاملة، بل أيضًا  -وربما بشكل أكثر خطورة-  عبر موجات عشوائية وغير مراقبة من الأشخاص الذين يفتقر أغلبهم إلى مؤهلات أو هدف واضح، سوى “الحلم الأوروبي”، أو في حالات أخرى، التسكع في الشوارع واحتلال زوايا التسول.

مظاهر التسول التي يمارسها البعض من هؤلاء أصبحت تتخذ أشكالاً مقلقة: أطفال يُستغلون في طلب المال، نساء يفترشن الأرض في مشاهد تستدر العطف صباحًا وتتحول إلى ضجيج صاخب مساءً، ورجال يمارسون ضغطًا نفسانيًّا على المارة، لا يخلو أحيانًا من العنف اللفظي إن لم يحصلوا على شيء. هذا ليس فقرًا بل تنظيم، وهذا ليس اضطرارًا بل تقاعس مُمَنهج.

ما يزيد الطين بلّة، أن العديد من هؤلاء الوافدين يُقيمون في شقق ضيقة داخل الأحياء الشعبية، حيث يتقاسم عشرة أو عشرون فردًا غرفة صغيرة، لا احترام فيها للحي، ولا لليل، ولا لجار يريد فقط قسطًا بسيطًا من النوم بعد يوم شاق من العمل. ضحك، موسيقى، شجارات، استهلاك مريب لبعض المواد، وإزعاج لا ينتهي. كل هذا يمر أمام أعين السكان المقهورين، الذين يبتلعون سخطهم في صمت، لأنهم لا يريدون أن يُوصموا بـ”العنصرية”، رغم أن المسألة لا علاقة لها بأي كراهية تجاه العِرق، بل تجاه الفوضى وانعدام الاحترام.

أرشيف الشرطة المغربية ليس خاليًا من قصص حزينة ومخيفة متعلقة ببعض العناصر القادمة من هذه الفئات. اعتداءات بالسلاح الأبيض، سرقات، اغتصاب، اختطاف أطفال، تنظيم شبكات للهجرة السرية والاتجار بالبشر… ملفات حقيقية ومفتوحة في مدن عديدة، من طنجة إلى الدار البيضاء، ومن وجدة إلى فاس. والحقيقة أن بعض هذه الأحياء باتت تشهد تحوّلات في طابعها العام، مع ارتفاع عدد الأجانب المقيمين بطريقة غير شرعية، وبروز ما يشبه “الغيتوهات” المغلقة التي تصعب حتى على السلطات نفسها مراقبتها.

نحن أمام معضلة مزدوجة: من جهة، مسؤولية الدولة المغربية في ضبط الحدود وتحديد سقف التسامح، لا يمكن أن تبقى الأمور مفتوحة بلا أفق. ومن جهة أخرى، مسؤولية المجتمع المدني ووسائل الإعلام في التحدث بصراحة وجرأة عن الظواهر السلبية دون خوف من التهم الجاهزة. فلا يُعقل أن نخشى الحديث عن التسول والسرقة والضجيج والانفلات الأمني، فقط لأنّ مرتكبيها ينحدرون من بلدان جنوب الصحراء.

أين نحن ذاهبون بهذا المنطق؟ وهل سننتظر حتى تنفلت الأمور بشكل كامل ثم نندم حين لا ينفع الندم؟

ليس من العدل أن يتحمل المواطن المغربي البسيط كلفة ما لا طاقة له به. فكيف يُطلب من ربّ أسرة بالكاد يوفّر قوت أولاده أن يساكن، تحت نفس السقف أو في نفس الحي، أشخاصًا لا يحترمون قوانين البلد، ويعيشون خارج أي التزام، لا تربطهم بالأرض غير الطريق إلى الحلم الأوروبي، الذي قد لا يأتي أبدًا؟

الحل ليس في طرد الناس بالجملة، وليس في خطاب الكراهية، ولكن في تطبيق القانون بلا تمييز، وفي إعادة النظر في سياسة استقبال المهاجرين غير النظاميين، وفي تأمين الحدود، وفي غربلة الوافدين، وإعطاء الأولوية لمن يستطيع أن يُفيد البلد ويستفيد منه، لا من يُضيف عبئًا جديدًا على كاهل أمةٍ تتخبط في مشاكلها الداخلية.

لسنا عنصريين، لكننا تعبنا من تحمل ما لا يُحتمل. كفى من تحويل المغرب إلى غرفة انتظار أوروبية. نحن نحتاج أولاً إلى إنقاذ أطفالنا من التشرد، وتلامذتنا من الاكتظاظ، ومواطنينا من الفقر، قبل أن نفتح أبوابنا للجميع دون قيد أو شرط.

فالمغاربة أهل كرم، نعم… لكن الكرم لا يعني السذاجة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.