دفاتر قضائية

لطمة ماكرون وقضية قائد تمارة: بين العدالة والانتقائية في تطبيق القانون

ضربة قلم

في عالم السياسة والأحداث اليومية، قد تتحول لحظة عابرة إلى قضية رأي عام تثير تساؤلات حول العدالة والمساواة أمام القانون. حادثتا “صفعة ماكرون” في فرنسا و”قضية قائد تمارة” في المغرب مثالان يجسدان هذا الواقع، ويكشفان عن تباين التعامل مع قضايا الاعتداء على المسؤولين

وفي زمن تتعدد فيه مظاهر السلطة وتتباين فيه درجات “الهيبة”، قد تكون الصفعة مجرد فعل رمزي، لكنها تكشف عن أعماق المجتمعات ونُظمها القانونية، وعن المسافة الفاصلة بين المفهوم القانوني لـ”الاعتداء على موظف عمومي” وممارسته على أرض الواقع.

الصفعة الفرنسية: القانون يعلو فوق المقام

في يونيو 2021، وأثناء جولة لرئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون، تلقى صفعة من شاب أثناء تحيته لحشد من المواطنين. الواقعة كانت علنية، أمام الكاميرات، وعلى مرأى العالم بأسره. ورغم كون الضحية هو أعلى سلطة تنفيذية في البلاد، فإن القانون لم يجنح نحو الانتقام، بل سارت الإجراءات بشكل واضح وشفاف، وأُجريت محاكمة علنية انتهت بالحكم على الجاني بـ4 أشهر حبسا نافذا فقط. لم تُلاحق عائلته، ولم تُصدر شواهد طبية خرافية، ولم تُضخم الواقعة إعلاميًا أو قضائيًا بما يتجاوز حجمها الحقيقي.

صفعة تمارة: من صراع حول الهاتف إلى سجن عائلة بأكملها

في مارس 2025، بمدينة تمارة، وبالضبط خلال حملة لتحرير الملك العام من قبل السلطات المحلية، اندلع خلاف بين القائد الإداري وامرأة كانت توثق ما يجري بهاتفها. تطور الحادث إلى مشادة، انتهت بقيام المعنية بالأمر، وتدعى شيماء، بصفع القائد، حسب ما وثقته الكاميرات وشهود العيان.

أدى الحادث إلى توقيف السيدة وثلاثة من مرافقيها، بينهم زوجها، وتمت متابعتهم في حالة اعتقال بتهم تتعلق بـ”إهانة موظف عمومي أثناء مزاولة مهامه والاعتداء عليه”.

وبتاريخ 10 أبريل 2025، أصدرت المحكمة الابتدائية بتمارة أحكامها على المتهمين الأربعة كما يلي:

  • سنتان حبسا نافذا للمتهمة الرئيسية شيماء.
  • سنة واحدة حبسا نافذا لزوجها.
  • ستة أشهر حبسا نافذا لكل من المتهمين الثالث والرابع.

أثارت هذه الأحكام موجة واسعة من الجدل والتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من يرى فيها احترامًا لهيبة الدولة وكرامة الموظف العمومي، ومن يعتبرها مبالغًا فيها، خاصة مع التشكيك في دقة الشهادة الطبية التي أدلى بها القائد، والتي تفيد بعجز دام 30 يومًا. كما وُجهت انتقادات إلى الطبيبة الموقعة على الشهادة، وسط تساؤلات حول مدى موضوعيتها وحيادها.

الإعلام: مرآة السلطة أم ضمير المجتمع؟

في فرنسا، غطت وسائل الإعلام القضية بكل تفاصيلها، بدءًا من لحظة الصفعة إلى الحكم القضائي، مما سمح للرأي العام بمتابعة ما يجري بشفافية. أما في المغرب، فكان الإعلام الرسمي غائبًا تقريبًا، تاركًا المجال لمنصات التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى ساحة للجدل والسخرية والتعاطف مع العائلة المكلومة.

بين القضاء والردع المبالغ فيه

هل كانت صفعة شيماء تستحق سنتين من السجن؟ وهل يستحق زوجها وابنا عمومتها أن يُسجنوا فقط لأنهم كانوا هناك؟ أم أن الأمر تجاوز مجرد اعتداء إلى استعراض للسلطة القضائية وتأكيد “الهيبة” على حساب العدالة؟ وهل أصبحنا في مجتمع إذا صفعت مسؤولًا -ولو إحساسا بالظلم- صفعتك الدولة بقوانينها ومؤسساتها وبـ”شواهدها الطبية”؟

مقارنة بين القضيتين:
البعد فرنسا (صفعة ماكرون) المغرب (قضية قائد تمارة)
الضحية رئيس الجمهورية قائد إداري محلي
الفاعل فرد واحد عدة أفراد من عائلة واحدة
الإجراءات القانونية محاكمة سريعة وعلنية، حكم بالسجن 4 أشهر نافذة اعتقالات وسجن لأفراد العائلة، تساؤلات حول نزاهة الإجراءات
التغطية الإعلامية تغطية واسعة وشفافة من وسائل الإعلام المحلية والدولية غياب التغطية الإعلامية الرسمية، مع تداول واسع على وسائل التواصل الاجتماعي
ردود الفعل الشعبية انقسام بين مستنكر ومؤيد لتصرف الشاب تضامن واسع مع العائلة، وانتقادات لاذعة للسلطات المحلية والطبيبة المصدرة للشهادة الطبية

خاتمة: هل يعلو القانون فوق الجميع؟

الفرق بين العدالتين لا يكمن في الصفعة، بل فيما بعدها. في فرنسا، كانت الصفعة قاسية، لكن الدولة تصرفت بهدوء وثقة في مؤسساتها. في المغرب، كانت الصفعة رمزية، لكن الرد كان عنيفًا، وكأن الهيبة تُسترجع بالسجون لا بالقانون.

ويبقى السؤال معلقًا: متى نتوقف عن جعل القانون سلاحًا في يد السلطة، ونجعله درعًا في يد المواطن؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.