لماذا نكتب؟ لأننا نمارس الصحافة…

محمد صابر
لأننا نكتب، نتّهم كثيرًا، نُحاكم غالبًا، ونُشتم يوميًا… لكننا لا نتّهم أبدًا بالجهل. ففي زمن تغلب فيه الضوضاء على الحقيقة، يصبح القلم سلاحًا، والكلمة خندقًا، والسكوت تواطؤًا.
نكتب لأننا لا نملك غير الحروف كي نُقاوم. نكتب لأننا نرى ما لا يُرى، ونشعر بما لا يُحسّ، ونُصغي لما يُقال في السرّ، ثم نلقي به في العلن. لسنا أنبياء، ولسنا شهداء… لكننا نملك هذا الهوس الجميل بالحقيقة، وإن أتعبنا وأتعب من حولنا.
نكتب لأن هناك من يُزوّر، ومن يُضلّل، ومن يُلوّن الخراب بلون الأمل، ومن يُسَوّق القبح على أنه تنمية. نكتب كي لا نُسلّم رقابنا للمنصات الرسمية، ولا عقولنا للبروباغندا، ولا قلوبنا للخدر الجماعي.
الصحافة ليست وظيفة. إنها محنة ونعمة. من اختارها ليكسب، خسر؛ ومن اختارها ليُصفّي حساباته، انهار. أما من اختارها ليقول “لا” حين ينام الجميع، فهو من يمشي على الحبل الرفيع بين التقدير والاغتيال الرمزي، بين الحرية والسجن، بين الحياة والمحو.
قد نتهم بسخونة الرأس لأننا نزعج، لأننا لا نتملّق، لأننا نؤمن بأن واجبنا ليس أن نُطمئن، بل أن نُوقظ. وقد يُقال إننا فقراء، لأننا لا نرث ثروات، ولا ندخل في مزادات الولاء، ولا نكتب تحت الطلب. لكنهم لا يستطيعون، ولن يستطيعوا، أن يقولوا إننا جهلاء. لأن الجهل لا يصمد أمام سعة القراءة، وعمق التحليل، وتلك النزعة المقلقة إلى طرح الأسئلة بدل ترديد الأجوبة.
الكتابة الصحفية، في عمقها، ليست فقط نقلاً للحدث. إنها بناء للرؤية، وتفكيك للخطاب، ومساءلة للزمن. هي حوارٌ مع الواقع، لا لإرضائه، بل لفضحه إن لزم الأمر. وهي أيضًا، على نحوٍ ما، صلاة سرّية نخوضها مع الضمير، لا يعلم طهارتها سوى من رفض أن يكون مجرد بوق.
نكتب، ولو عرفنا أن لا أحد يقرأ. لأن فعل الكتابة نفسه شكلٌ من أشكال المقاومة، ولأن السكوت يجعل الطغيان ممكنًا.
نكتب، وقد نفشل، وقد نُعتقل، وقد نُنسى… لكننا نترك وراءنا أثرًا، صدًى، أثرًا في الوعي، وخيط نور في العتمة. ولهذا السبب وحده، يكفي أن نستمر.