لهذا السبب وقعت جريمة القتل بالمحمدية!

ضربة قلم
مدينة المحمدية لم تستفق بعد من هول الصدمة، جريمة أسرية غير متوقعة قلبت الهدوء الذي كان يخيّم على حي الحسنية 1 إلى كابوس دموي يوم الأحد 23 فبراير 2025. لم يكن أحد يتخيل أن الخلاف الذي بدأ بكلمات قد ينتهي بإراقة الدماء، وأن رجلاً قضى سنوات عمره متقاعدًا من شركة سامير لتكرير البترول، ويعيش حياة مريحة بين فيلته بمدينة بنسليمان والشقة المكتوبة في اسم زوجته بالمحمدية، سيجد نفسه وراء القضبان بتهمة القتل العمد.
لم يكن في الأمر ما ينبئ بمأساة، فالأب البالغ من العمر 73 عامًا لم يكن يعاني من ضائقة مالية تجبره على التشدد في مسألة الإيجار، فهو رجل يعيش حياة ميسورة ومستقرة. لكن، لسبب ما، قرر أن يطالب ابنته وزوجها العسكري برتبة عقيد، اللذين يقطنان شقته في المحمدية منذ سنوات، بدفع مقابل مالي للبقاء فيها، أو أن يرحلا عنها.
وربما لم يكن طلبه في البداية حازمًا، وربما اعتقدت ابنته أن والدها لن يُصرّ فعليًا على الأمر. لكنه هذه المرة كان جدّيًا وحمل معه بندقية صيد. هل كان يعتقد أن ابنته وزوجها يستغلان عطفه؟ هل شعر أن من حقه فرض قواعد جديدة؟ لا أحد يعرف كيف بدأ الخلاف، لكن الأكيد أنه سرعان ما تصاعد ليأخذ منحًى خطيرًا، بعدما رفض الزوجان الامتثال لطلب الأب، معتبرين أن منزل أم الزوجة ليس عقارًا للإيجار!
في لحظة ما، وسط تصاعد النقاش وتحوله إلى صراخ وجدال محتدم، انفجرت مشاعر الأب السبعيني، ربما شعر بالإهانة، وربما رأى في رفض ابنته نوعًا من العصيان غير المقبول. مهما كان الدافع النفسي الذي دفعه إلى ذلك، لم يجد أمامه سوى بندقية الصيد، ربما لم يكن ينوي القتل في البداية، لكن الغضب والاندفاع جعلاه يضغط الزناد مرتين، لتسقط فلذة كبده وزوجها مضرجين في دمائهما، داخل المنزل الذي احتضنهما لسنوات، مخلفين ثلاثة أبناء يتامى.
ثوانٍ قليلة كانت كافية لتحويل رجل عادي إلى قاتل، وعائلة متماسكة إلى مأساة دموية تُضاف إلى سجل الجرائم الأسرية المروعة.
لم يحاول القاتل الفرار، ولم يحاول حتى إخفاء جريمته. بقي في مسرح الحادثة وكأنه لم يستوعب بعد ما اقترفه. رجال الشرطة القضائية، الذين هرعوا إلى المكان فور إبلاغهم، وجدوه جالسًا، والبندقية بجانبه، لا يقاوم ولا يحتجّ. كأنما تحولت نوبة الغضب إلى صدمة شلت تفكيره بالكامل.
تم اعتقاله في عين المكان، وتم حجز بندقية الصيد التي استخدمها في الجريمة. أما جثتا الضحيتين، فقد نُقلتا إلى مستودع الأموات من أجل التشريح الطبي، في مشهد مأساوي زاد من وقع الصدمة بين سكان الحي الذين لم يتصوروا أن خلافًا عائليًا حول شقة يمكن أن ينتهي بهذه الطريقة المروعة.
جريمة بهذا الشكل تطرح تساؤلات عميقة حول التغيرات الاجتماعية والنفسية التي قد تدفع إنسانًا إلى ارتكاب فعل لا يمكن تصوره. هل كان الأب يعاني من ضغط نفسي دفين جعله ينفجر بهذه الطريقة؟ هل كان هناك توتر متراكم بينه وبين ابنته وزوجها، ليكون موضوع الإيجار مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير؟ هل أصبح العنف الأسرى هو الخيار الأول لحل النزاعات داخل بعض العائلات؟
بينما يواصل المحققون عملهم لفك جميع خيوط هذه القضية، يبقى المتهم الآن تحت تدابير الحراسة النظرية، بانتظار ما ستؤول إليه التحقيقات.
لكن، هل سينصفه القضاء بتخفيف الحكم عليه باعتبار أن الجريمة لم تكن مدبّرة؟ أم أن قتله لابنته وزوجها بدم بارد سيجعله يواجه عقوبة مشددة؟
ما هو مؤكد، أن هذه الجريمة ستظل وصمة دامية في سجل المحمدية، ودرسًا قاسيًا حول العواقب الكارثية التي يمكن أن تحدث عندما يتحول الغضب إلى رصاص، والصراع الأسري إلى مأساة لا رجعة فيها.