مجتمع

لوبي الأدوية… عندما تتحول الحبة إلى قنبلة موقوتة

ضربة قلم

 في حضرة لجنة القطاعات الإنتاجية، وقف رئيس فريق التقدم والاشتراكية وكأنه اكتشف معادلة أينشتاين المفقودة: “أيها السادة، المغاربة لا يتناولون أدوية، بل يشربون ماءً مزينًا بالزغاريد!”. وهكذا، انطلقت رحلة السخرية الرسمية نحو قلب مديرية الأدوية والصيدلة، متهمًا إياها بأن الأدوية تمر عبرها كما تمر الريح في شقوق النافذة: بلا اختبارات، بلا تكافؤ حيوي، فقط دعوات بالتوفيق.

الرجل تحدى المديرية – تحدٍ يشبه مطالبة حصان بأن يرقص الصامبا – أن تثبت وجود أي اختبار جدي على الأدوية التي تدخل البلاد. القوانين تقول: اختبار كل خمس سنوات، أما الواقع؟ فهو يحتفل بعقدين من النسيان. هل تتساءل لماذا يفضل المواطن المغربي جلب “دوليبران” من فرنسا؟ الأمر بسيط: هناك يصنعونه، وهنا نطبع له بطاقة تعريف مغربية.

لكن القصة لا تنتهي هنا. لدينا 56 مؤسسة صيدلانية في المغرب. تبدو الأرقام واعدة، أليس كذلك؟ لكن الحقيقة أن بعضها لا يصنع شيئًا سوى الأوهام، يكتفي باستيراد الأدوية ووضعها في علب أنيقة مع ملصق “صنع في المغرب”… لأن الطباعة أيضًا تُعتبَر صناعة، أليس كذلك؟

المفارقة الساخرة أن هذه الشركات تفتح مكاتب في المغرب لا تضم أكثر من خمسة موظفين: سكرتيرة تتقن فن تحضير القهوة، ومدير يحب الاجتماعات، وثلاثة مستخدمين يتقنون فن تدوير الأوراق. رغم ذلك، ينافسون الصناعة الوطنية وكأنهم يخوضون بطولة العالم للصناعات الوهمية.

أما عن الأدوية الجنيسة؟ تُباع على أنها الحل السحري لتقليص التكاليف. لكن، المفاجأة: سعرها يتبع مزاج أسعار المواد الأولية العالمية، التي ترتفع بسرعة تفوق سرعة تحميل فيلم في مقهى إنترنت قديم.

وفي قلب هذا المشهد، هناك لوبيات الأدوية، لوبيات أقوى من لوبيات الأسلحة (نعم، الأسلحة!). مهمتهم بسيطة: تأخير تراخيص الأدوية حتى يتحول المرضى إلى خبراء في التحمل. التراخيص تحتاج 6 إلى 7 سنوات، وقت كافٍ لتغيير الحكومة، أو تعلم لغة جديدة، أو حتى بناء جسر فوق المحيط.

أما التسعير، فهو فصل آخر من الكوميديا السوداء. أسعار الأدوية تُحدد وكأنها نتيجة سحب عشوائي في برنامج مسابقات، لا علاقة لها بمعايير دولية أو محلية. والنتيجة؟ المواطن يتحمل 50% من تكلفة العلاج من جيبه، ليكتشف أن التأمين الصحي مجرد شعار أنيق دون مضمون.

هكذا تستمر الحبة الصغيرة في لعب دور القنبلة الموقوتة، بين لوبيات لا تهتم إلا بالأرباح، ومواطنين يحلمون فقط بعلبة دواء تنقذهم من الألم بدل أن تضيف ألمًا جديدًا: ألم الفاتورة…

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.