ليلة نويل (Noël)… حين انتصر القلب على القسوة

ضربة قلم
في بعض المواضيع التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، نصادف قصصًا تمثيلية أقرب إلى الواقع من الخيال. قصص تذكّرنا بأن خلف كل باب مغلق، حكاية إنسانية قد تُعيد تعريف معنى الرحمة.
حكاية اليوم تعود إلى أسرة أمريكية بسيطة، فقد فيها الجد زوجته وبقي يعيش وحيدًا مع حفيدته الصغيرة في شقة متواضعة. كان البيت بالنسبة له أكثر من جدران وأثاث؛ كان آخر ما تبقى له من دفء العائلة، ومن ذكرى زوجة رحلت تاركة وراءها صمتًا طويلًا وطفلة صغيرة لا تعرف سوى قلب جدّها مأوى.
لكن ذات مساء، وفي ليلة نويل بالذات، تحوّل البيت إلى مسرح للألم.
حضر مالك الشقة رفقة أعوان التنفيذ، يحمل أمرًا بالإفراغ بدعوى أن الرجل تأخر عن دفع الإيجار لعدة أشهر، بل ورغبة منه في رفع السومة الكرائية. بدأ الأعوان في إخراج الأثاث إلى الشارع وسط برودة الليل، فيما وقف الجد المسنّ يتوسل المالك بأن يمنحه مهلة إضافية، ليلة واحدة فقط، احترامًا للعيد، للطفلة، للذاكرة… لكن المالك كان صلبًا كالجليد، لا تلين ملامحه أمام توسلات الرجل ولا دموع حفيدته.
وبينما المشهد يسير نحو نهايته القاسية، دخلت والدة المالك فجأة لتستفسر عما يجري.
وحين علمت من ابنها أنه يُخرج رجلاً مسنًّا وحفيدته لأنهما عاجزان عن الدفع، توقفت طويلاً، ثم بكت.
قالت له بصوتٍ مرتجف:
“لقد كنتَ في مثل سن هذه الطفلة عندما عشت نفس الموقف. كنتُ أمًّا عازبة، بلا عمل، بلا سند، وفي ليلة نويل أيضًا، جاء صاحب البيت ليُخرجنا من الشقة. لكنه حين رأى وجهك الصغير، رقّ قلبه ومنحني مهلة مجانية حتى أستعيد توازني. كتب لي رسالة بخطه، قال فيها: (افعلِي الخير يومًا كما فُعِل معكِ).”
ثم مدّت يدها إلى حقيبتها، وأخرجت الورقة القديمة التي احتفظت بها لسنوات، كأنها كانت تنتظر تلك اللحظة بالضبط. قرأها ابنها، فتجمّد في مكانه، وبدأ يدرك أنه أمام اختبار إنساني حقيقي.
لم يكن الأمر مجرد “كراء متأخر”، بل درسًا في الوفاء للجميل، وامتحانًا للضمير.
بهدوءٍ ودموع، تقدّم المالك نحو الجد، واعتذر له، وأمر بإعادة الأثاث إلى مكانه.
وفي تلك الليلة الباردة، لم تُنقذ الرحمة بيتًا فقط، بل أنقذت إنسانًا من أن يفقد آخر ما تبقى له من كرامة ودفء.
ربما لم يتغير العالم، لكن قلبًا واحدًا تغيّر…
وربما لهذا السبب ما زال الخير موجودًا، ينتظر فقط أن يتذكره أحد في لحظة ضعف.




