ليلى بنعلي ودرس في فن الكذب الطاقي!

ضربة قلم
لا شيء يشعل الجدل في المغرب أكثر من تصريحات حكومية تنفي الواقع بكل ثقة، وكأن الجمهور يعاني من فقدان جماعي للذاكرة! آخر هذه التصريحات جاءت من وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، التي ادعت أن “ساكنة المحمدية لا تريد إعادة تشغيل مصفاة سامير”. نعم، هكذا وبكل بساطة، قررت الوزيرة أن تتحدث باسم ساكنة مدينة كاملة، دون أن تكلف نفسها عناء تقديم دليل واحد يدعم هذا الادعاء!
بين الكذب الفاضح والواقع المزعج
منذ إغلاق “سامير” سنة 2015، لم تتوقف الأصوات المنادية بإعادة تشغيلها، بدءًا من خبراء الاقتصاد، مرورا بمستخدمي الشركة، وانتهاء بالمواطن العادي الذي يكتوي بلهيب أسعار المحروقات. فمن أين استقت الوزيرة هذه “الرغبة الشعبية” الغريبة؟ هل أجرت استفتاء سريا لم يُعلن عنه؟ أم أنها استندت إلى جلسة دردشة مع حفنة من المستفيدين من إغلاق المصفاة؟
بل حتى لو افترضنا – جدلاً – أن بعض سكان المحمدية “مرتاحون” بدون المصفاة، فهل هذا مبرر كافٍ للإبقاء على منشأة استراتيجية في وضعية الجمود؟ وهل يُمكن لدولة مسؤولة أن تتخذ قراراتها بناءً على “انطباعات” عشوائية بدل أرقام ودراسات واضحة؟
سامير: قضية أمن طاقي وليست مزاج ساكنة
المثير للسخرية أن الوزيرة لم تكتفِ بهذا التصريح، بل أضافت أن تأميم “سامير” سيتطلب ميزانية ضخمة، وكأن المغرب غير قادر على الاستثمار في بنيته الطاقية بينما يضخ ملايير الدراهم في مشاريع أخرى أقل أولوية. ناهيك عن أن تشغيل المصفاة سيساهم في تخفيف الاعتماد على السوق الدولية للمحروقات، وتقليص الفاتورة الطاقية، بل وحتى خلق فرص شغل جديدة.
لكن يبدو أن هناك أطرافا مغربية وقد تكون مسؤولة أيضا، مستفيدة من إبقاء المغرب رهينة تقلبات أسعار النفط العالمية، وترك سوق المحروقات في يد قلة من الشركات التي تراكم أرباحا خيالية على حساب المواطن البسيط.
لعبة المصالح والقرار السياسي
في واقع الأمر، فإن إعادة تشغيل “سامير” ليست قضية تقنية أو مالية، بل هي قرار سياسي بامتياز. فحين يتم الإبقاء على منشأة طاقية ضخمة في حالة شلل، رغم كل التحذيرات من تداعيات ذلك على الاقتصاد الوطني، فهذا يعني أن هناك لوبيات قوية تضغط لضمان استمرار الوضع كما هو. ولوبي المحروقات، كما يعلم الجميع، ليس مجرد مجموعة شركات، بل شبكة نفوذ متغلغلة في دواليب القرار، تتحكم في الأسعار والسياسات وتوجيهات المسؤولين.
كلمة أخيرة: إلى متى سيستمر الاستخفاف بعقول المغاربة؟
تصريحات الوزيرة بنعلي لم تفاجئ أحدا، لكنها أكدت مرة أخرى أن الحكومة الحالية تتعامل مع الرأي العام وكأنه قطيع يسهل توجيهه بأي خطاب مهما كان غير منطقي. فحين تأتي مسؤولة حكومية لتقول للمغاربة ما لم يقولوه، وتتحدث باسمهم دون تفويض، فإن الأمر يتجاوز مجرد تصريح عابر إلى مستوى الاستهزاء بذكاء المواطن.
الكرة الآن في ملعب الحكومة نفسها: هل ستتخذ موقفًا جريئًا وتعيد تشغيل “سامير” لما فيه مصلحة البلاد؟ أم أنها ستواصل السير على نهجها الحالي، وتترك الشعب يتخبط في دوامة الأسعار الملتهبة، بينما تستفيد قلة معروفة من بقاء الوضع على ما هو عليه؟
التاريخ لن يرحم المتخاذلين!