مجتمع

مؤتمر المحامين الدوليين في مراكش: عندما يلتقي القانون بالشوڤا

ضربة قلم

في مراكش، حيث يمتزج عبق التاريخ برائحة “الطاجين”، وحيث يبدو أن كل شيء قابل للنقاش، حتى عدد الدراهم التي ستدفعها لسائق الطاكسي، اجتمع اليوم الخميس أكثر من 80 ألف محامٍ ضمن فعاليات المؤتمر السنوي لنقابة المحامين الدولية، تحت شعار “قانون الشغل والتنوع”. وكأن العمال ينتظرون هذه النقاشات بشغف ليجدوا حلولًا سحرية لمعضلاتهم اليومية مع الرؤساء المتجبرين والشركات العابرة للقارات التي تتعامل مع المستخدمين وكأنهم بطاريات قابلة للاستبدال.

لكن لا تقلقوا، فالوزراء والمسؤولون عندنا بارعون في فن “التنويم القانوني”. حيث وقف وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، في كلمة رنانة (من النوع الذي يجعل الصحافيين يضغطون على زر “نسخ/لصق”) ليؤكد أن “المحامي يلعب دورًا أساسيًا في حماية الحقوق والديمقراطية”. تصريح جميل، لكن لو كان المحامون فعلا في موقع قوة، لما قضى بعضهم نصف يومهم في محاكم القرب لحل نزاعات بين جارين على حدود سطح مشترك!

المؤتمر لم ينسَ “التحديات الكبرى” التي تواجه سوق الشغل، ومنها الذكاء الاصطناعي، الذي ربما سيصبح قريبًا أكثر إنصافًا من بعض أرباب العمل، على الأقل لأنه لن يطلب منك العمل 12 ساعة مقابل الحد الأدنى للأجور مع ابتسامة عريضة في وجه المدير.

أما كاتب الدولة لدى وزير الشغل، هشام صابري، فقد فاجأنا بجملة مستفزة حول “حماية حقوق أرباب العمل”. نعم، قرأتها بشكل صحيح! يبدو أن أرباب العمل مهددون بالانقراض بسبب “حيتان الأجَراء”، أولئك المتوحشين الذين يطالبون براتب يكفيهم حتى آخر الشهر. المسؤول أضاف، بروح وطنية، أن المغرب يسعى لمواكبة التحولات في سوق الشغل، لكنه لم يشرح لنا لماذا لا تزال عقود العمل أقرب إلى الاتفاقيات الغامضة التي يوقّعها زوار مكاتب التشغيل على عجل، قبل أن يكتشفوا لاحقًا أن الإجازات المدفوعة غير موجودة إلا في الأحلام، والتغطية الصحية مجرد مصطلح أنيق يُذكر في المؤتمرات.

هذا الحدث القانوني الكبير سيستمر ليومين، يناقش فيه المحامون والمختصون مواضيع مثل “التكيف مع التحول الرقمي للعمل”، “حقوق العمل الرقمية”، و”القوانين العابرة للحدود في مجال الشغل”. وكم سيكون رائعًا لو تمكنوا خلال هذه الجلسات العميقة من إيجاد حل سحري لوضعية آلاف الشباب المغاربة الذين يتحولون إلى عمال رقميين متنقلين (Freelances) لكن دون أدنى حماية اجتماعية، وكأنهم شخصيات في لعبة فيديو، كلما خسروا “مهمة”، فقدوا جزءًا من طاقتهم، لكن دون أن يحظوا أبدًا بـ”الدرع الواقية” التي تقيهم من جحيم البطالة القسرية.

المهم، سيمضي المؤتمر، وسيعود كل وفد إلى بلاده محمّلاً بالصور التذكارية قرب ساحة جامع الفنا، وسيبقى العامل البسيط في مصنعه، والموظف في مكتبه، والعامل عن بُعد في معاناته مع انقطاع الإنترنت، بانتظار مؤتمر آخر، ووعود أخرى، وسلسلة جديدة من التصريحات الذهبية التي تصلح للعناوين الصحفية… ولا شيء أكثر!

فمتى يتحول قانون الشغل من “حكاية جميلة” في مؤتمرات النخبة، إلى واقع مُنصفٍ على أرض الواقع؟!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.