سياسة

مؤتمر بلا مرقة في أكادير: حين انتصر الممون وسقط الحزب في طاجين العدالة الغذائية

ضربة قلم

آه يا أكادير، مدينة الشمس والبحر والرفيسة السياسية، حيث تتحوّل المؤتمرات الحزبية من لحظات خطابية سامية إلى ملاحم بطولية من أجل “الكسكس”. لقد شهدت المدينة حدثًا سيُدوَّن في تاريخ الطرائف السياسية المغربية تحت عنوان: “الثورة تبدأ عندما يتأخر الغداء”.

تخيلوا المشهد، مؤتمر جهوي لحزب سياسي محترم -أو على الأقل يُفترض فيه الاحترام- يعقد جلساته تحت شعار فضفاض من نوع: “تعزيز الديمقراطية المجالية ومشاركة الشباب في العمل السياسي”، لكن الواقع السياسي في المغرب، كعادته، يفضل الاشتغال بمنطق المعدة. وبمجرد أن دقّت ساعة الظهيرة، لم تعد الكلمات تهم، ولا المقترحات، ولا البلاغ الختامي، لأن الجميع أصبح ينظر إلى الساعة الداخلية في جهازه الهضمي، حيث بدأت الأصوات تتعالى، لا من المتدخلين، بل من البطون الفارغة التي بدأت تحاور نفسها: “واش هاد المؤتمر غايشبعنا نضال؟ ولا ناكلو شي حاجة؟”

وفي قلب هذا المشهد الملحمي، يدخل الممون، هذا الكائن الخرافي الذي لا يعترف بالشعارات ولا بالخطابات، بل بشيء واحد فقط: الريـــال. فقد رفض بكل صرامة تقديم الطعام إلا بعد تسلُّم مستحقاته، وكأنه يقول لهم: “السياسة بدون فلوس بحال الكسكس بلا مرقة”. وها هو يقف شامخًا مثل قلاع المقاومة، تاركًا الوجبات محشورة في قلب الشاحنة، وكأنها أسرى حرب.

أما المؤتمِرون، فقد تحوّلوا من مناضلين إلى لاجئين غذائيين، يجوبون القاعة بنظرات تائهة، يفككون قطع الفواكه كمن يفك شيفرة المؤامرة، ويشربون الماء كما يشرب السجين قطرة حرية. بعضهم، ممن لم يعد يحتمل هذه “الحرب الطبقية”، قرر الفرار من الميدان، وهو يردد في سره: “أنا ماشي مناضل، أنا جيت على ود الطاجين!”

والفصل الأجمل في هذه الأوبرا السياسية هو دخول المفوض القضائي، ذلك الكائن البيروقراطي الأنيق، الذي استدعاه الممون كما يُستدعى الكوميسير في مشهد بوليسي: “سيّدي، جي تشوف راه جبت الماكلة ولكن هاد الجماعة ماخلصاتش”. وهكذا تحوّل المؤتمر إلى مشهد مسرحي بيروقراطي، يُوثَّق فيه الطعام المحجوز داخل الشاحنة، بينما الحناجر داخل القاعة توثق شعارات لم يعد لها وزن أمام بطون فارغة تُطالب بشيء واحد: العدالة الغذائية.

أما منظمو المؤتمر، فقد خرجوا مطأطئي الرؤوس، لا يملكون لا محاضر موقعة ولا صور جماعية، فقط فضيحة بطعم الجوع. خرجوا كمن ذهب للبحث عن الشرعية الحزبية، فعاد يبحث عن سندويتش. أما الممون، فقد خرج منتصرًا بوثيقة قضائية تؤكد أنه “حضر ومعه البريوات والطاجين”، وكأنها شهادة شرف في زمن الحماقة.

الآن، وقد أصبحت الواقعة مرشحة لتُعرض على خشبة القضاء، نحن في انتظار بلاغ رسمي من الحزب يوضح فيه موقفه من “سياسة الممونين” ويدعو إلى مؤتمر استثنائي عاجل لمراجعة العلاقة بين النضال السياسي وأحقية التريتور في ضمان ساندويتشاته. وربما، من يدري، يُقترح مستقبلاً إدماج ممون الحفلات ضمن اللجنة المركزية للحزب، لأنه الوحيد الذي فرض كلمته، وخرج بشرف… ووثيقة.

هذا الحدث يا سادة يا  كرام، هو اختزال بديع لحالة السياسة عندنا: عناوين كبيرة تُختزل في طبق صغير من الكسكس المؤجل. وحين تتعطل المائدة، تسقط كل الخطب، وتنكشف عورات البرامج، ويظهر أن أعمق انقسام سياسي في بلادنا ليس بين اليمين واليسار، بل بين من أكلوا ومن لم يُقدَّم لهم الطعام بعد.

هل نقترح إضافة “مطعم سياسي” لكل مقر حزبي، أم نوصي مستقبلاً بأن تُرسل الوجبات عبر “الدرون” تفادياً للاحتكاك بين التريتور والمناضلين؟

تنويه: الصورة مجرد تعبير فني ولا تمتّ بأي صلة لمؤتمر أصحابنا، رغم أن الشبه قد يثير الريبة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.