ماء القاطع بدل الدموع… سيدة تحاول السطو على وكالة مالية بالمحمدية!

ضربة قلم
في حادثة غريبة ومثيرة في آن، شهد حي السعادة بمدينة المحمدية فصلاً جديداً من الجرائم التي لم تعد تُرتكب فقط بأيدي الرجال، بل أصبحت بعض النساء بدورهن يدخلن عالم الجريمة من أوسع أبوابه، في مشهد يطرح أكثر من سؤال حول التحولات الاجتماعية والنفسية التي تدفع فئة من النساء إلى خوض مغامرات إجرامية محفوفة بالمخاطر.
فقد اقتحمت سيدة منقبة، تحمل قنينة بلاستيكية تحتوي على مادة حارقة يُعتقد أنها “ماء القاطع”، وكالةً لتحويل الأموال في وضح النهار، محاولةً السطو على مدخرات الوكالة، في واقعة هزّت الساكنة المحلية وأعادت إلى الواجهة قضية الأمن داخل هذا النوع من المؤسسات المالية الصغيرة التي تنتشر في الأحياء الشعبية.
السيدة التي دخلت الوكالة بخطوات حذرة وبوجه مغطى بالكامل، لم تثر في البداية شكوك المستخدمة، لكنها ما لبثت أن أخرجت القنينة من تحت ملابسها مهددةً الضحية برشّها بالمادة الحارقة إن لم تسلّمها المال فوراً. لحظات من الرعب خيّمت على المكان، غير أن شجاعة المستخدمة بالوكالة حالت دون وقوع الكارثة، إذ أبدت مقاومة غير متوقعة، وصرخت طالبة النجدة، فدوّى صوتها في أرجاء الحي ليستنفر عدداً من شباب الحي الذين هرعوا إلى المكان.
المشهد كان درامياً بكل المقاييس: سيدة منقبة تحاول الفرار بخفة وارتباك، وأصوات الاستنجاد تتعالى، وسكان الحي يتعقبونها في الأزقة الضيقة حتى تمكّنوا من الإمساك بها وتسليمها لفرقة النجدة التابعة لشرطة المحمدية التي التحقت سريعاً بعين المكان.
وتم حجز القنينة التي كانت تحتوي على المادة الحارقة، فيما جرى اقتياد المشتبه فيها إلى مفوضية الأمن من أجل تعميق البحث تحت إشراف النيابة العامة المختصة.
المعطيات الأولية، وفق ما كشفته التحقيقات، أظهرت أن السيدة ليست غريبة عن الحي، بل تقطن على بعد خطوات من الوكالة المستهدفة. وبرّرت فعلتها – خلال البحث التمهيدي – بكونها مثقلة بالديون وتعيش أزمة مالية خانقة دفعتها إلى ارتكاب فعلتها اليائسة، غير مدركة أن محاولتها تلك كادت تتحول إلى مأساة حقيقية لو أطلقت المادة الحارقة على الضحية.
هذه الواقعة، التي انضافت إلى سلسلة من الحوادث المشابهة، تؤكد أن الجريمة في المغرب لم تعد حكراً على فئة أو جنس معين. فبعد أن كانت الاعتداءات على وكالات تحويل الأموال تتم في الغالب على أيدي رجال ملثمين أو عصابات منظمة، أصبحنا اليوم أمام وجه جديد للجريمة، تقوده نساء تحاولن تجاوز أزماتهن الاقتصادية بوسائل خطيرة وغير مشروعة.
تزايد هذا النوع من الحوادث يعكس كذلك هشاشة الوضع الاجتماعي والنفسي لعدد من النساء اللواتي يجدن أنفسهن محاصرات بين ضغوط المعيشة وغياب الدعم الأسري أو المؤسسي، فيتحول اليأس إلى دافع للجريمة.
كما يسلّط الضوء على ضرورة إعادة النظر في منظومة الحماية الاجتماعية ومواكبة النساء في وضعية هشاشة عبر آليات واقعية، لا شعارات ظرفية.
أما من زاوية أخرى، فالقضية تطرح تساؤلات حول أمن المؤسسات المالية الصغيرة المنتشرة في المدن المغربية، خاصة تلك التي تعتمد على موظفات في الغالب، ويُترك لهن تدبير مبالغ مالية مهمة دون حراسة كافية أو تجهيزات وقائية فعّالة مثل الكاميرات ذات الجودة العالية أو الأبواب المؤمّنة إلكترونياً.
ولعل الدرس الأهم في هذه الواقعة أن اليأس حين يتسلل إلى النفوس يمكن أن يغيّر حتى صورة “المرأة الهادئة” إلى شخصية متهورة قادرة على استخدام العنف لتحقيق غاية مادية آنية.
لكن ما جرى في المحمدية يذكرنا أيضاً أن في كل مأساة بصيص أمل، تجسد هذه المرة في شجاعة مستخدمة واجهت الخطر بثبات، وفي تضامن شباب الحي الذين أظهروا يقظة ومسؤولية قلّ نظيرها.
ويبقى السؤال الذي يجب أن يؤرق الجميع:
إلى أين نسير حين تبدأ النساء في حمل القناني الحارقة بدلاً من حقائب اليد؟
وأي مجتمع نُعيد تشكيله حين يصبح ماء “القاطع” وسيلة لتسديد الديون بدل أن يكون رمزاً للخطر؟
إنه إنذار اجتماعي قبل أن يكون خبراً أمنياً.
فالمجتمع الذي تتسلل الجريمة إلى قلب نسائه، هو مجتمع يحتاج إلى إنعاش أخلاقي واقتصادي عاجل، قبل أن يُصبح العنف لغة جديدة تُنطق بها حتى من كانت بالأمس رمزاً للحياة والعطاء.




