مارين لوبان: من شعارات الوطنية إلى محكمة الجنح، اختلاس مع سبق الإصرار!

ضربة قلم
ها هي لوبان، “الضحية الأبدية” التي كانت تصرخ بأعلى صوتها أن العالم كله يتآمر عليها، وجدت نفسها أخيرًا في المكان الذي تهرب منه جميع الساسة المخضرمين: قاعة المحكمة. لكن لسوء حظها، لم يكن الأمر مجرد جلسة استماع عابرة، بل كان مشهدًا دراميًا مكتمل الأركان، حيث لعبت دور البطولة في مسرحية عنوانها “مارين والـ2.9 مليون يورو المفقودة”.
الحكم الذي طال انتظاره
بعد جلسات ماراثونية، أسدلت محكمة الجنح بباريس الستار على واحدة من أكثر القضايا إحراجًا في تاريخ السياسة الفرنسية، حيث أصدرت حكمًا بإدانة مارين لوبان بتهمة اختلاس الأموال العامة وتجريدها من أهلية الترشح للانتخابات مع التنفيذ الفوري. الحكم لم يتوقف عند زعيمة “التجمع الوطني”، بل شمل ثمانية نواب برلمانيين واثني عشر مساعدًا كانوا جزءًا من هذه الشبكة المنظمة لنهب أموال دافعي الضرائب الأوروبيين.
الصدمة الكبرى كانت في اعتبار المحكمة أن الضرر بلغ 2.9 مليون يورو، وهي أموال تم سحبها بذكاء من ميزانية البرلمان الأوروبي لتمويل حزب يميني يرفع شعار “حماية الأموال العامة من الفساد”! وبينما كانت لوبان تواجه عقوبة بالسجن لمدة خمس سنوات، منها ثلاث مع وقف التنفيذ، إلى جانب غرامة 300 ألف يورو، كان أنصارها يتساءلون: هل انتهت أسطورة “المرأة الحديدية” عند هذا الحكم، أم أن هناك فصلًا جديدًا في دراما “مارين ضد العدالة”؟
من البرلمان إلى المحكمة: القصة التي لا تنتهي
لطالما اشتهرت لوبان بشعاراتها النارية عن الوطنية والهوية الفرنسية، لكن يبدو أن حبها لـ”المال العام” كان يفوق حبها للراية ثلاثية الألوان. تخيلوا المشهد: كانت تتحدث عن “استعادة السيادة الفرنسية” بينما كانت رواتب موظفيها تُدفع من جيوب دافعي الضرائب الأوروبيين. أليس هذا “استردادًا” غير متوقع للمال العام؟
المحكمة لم تتأثر بخطاباتها الشعبوية ولا بدموع التماسيح التي ذرفتها وهي تقول: “إنهم يريدون قتلي سياسيًا”. بالطبع، لأن الطريقة المثلى “لقتل” سياسي من نوع لوبان هي إخضاعه لأبسط قواعد المحاسبة والشفافية.
مارين وعصابة البرلمان الأوروبي
لم تكن لوبان وحيدة في هذه الرحلة؛ فقد رافقها مجموعة من الأوفياء، ليس إلى قصر الإليزيه، بل إلى قفص الاتهام. ثمانية نواب، واثنا عشر مساعدًا، في تهمة جماعية يمكن تسميتها بـ”سرقة القرن الأوروبية”. تخيلوا أن تييري ليجيه، حارسها الشخصي، كان يحصل على راتب كمساعد برلماني، لكن عمله الأساسي كان حماية “زعيمة الأمة”، وليس حضور الجلسات البرلمانية.
أما كاثرين غريزيه، رئيسة مكتبها، فقد كانت تأخذ راتبها بالكامل بينما لم تتجاوز مجموع ساعات عملها في البرلمان الأوروبي 12 ساعة في 10 أشهر! يبدو أنها كانت تعمل بنظام “العمل عن بعد”، قبل أن يصبح هذا المفهوم دارجًا!
اللعبة انتهت، لكن هل انتهت فعلا؟
العقوبة كانت صارمة: إدانة بتهمة اختلاس أموال عامة، تجريد من الأهلية السياسية، وغرامة مالية محترمة. لكن السؤال الحقيقي: هل سينتهي مسار لوبان السياسي عند هذه النقطة؟ أم أن اليمين المتطرف سيجد طريقة أخرى ليعيدها إلى الواجهة، كما يحدث دائمًا مع السياسيين الذين يجيدون لعب دور الضحية؟
في النهاية، يبدو أن “استعادة فرنسا” كانت مجرد شعار فارغ، وأن المعركة الحقيقية لم تكن ضد “المهاجرين” أو “بروكسل”، بل كانت ضد العدالة التي قررت أخيرًا أن تمارس دورها الطبيعي. ويبقى السؤال: هل سيتعلم ناخبو لوبان الدرس؟ أم أنهم سيفضلون تفسير القضية على أنها “مؤامرة كونية” جديدة ضد “الزعيمة الملهمة”؟