مجتمع

ما بين الزرواطة والضمير: قصة شعب لا يموت

ضربة قلم

في المغرب، كثيرًا ما نتحرك بين طرفين متناقضين: إما تحت وطأة زرواطة قاسية، أو مدفوعين بشيء من الإنسانية التي تطفو بين حين وآخر.
نقول هذا ونتذكر مشهداً محفورًا في الذاكرة الوطنية: تلك الحملة التي أطلقها الملك الراحل الحسن الثاني لبناء مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، وكيف تحوّلت دعوة التبرع إلى فرض قسري، لا يفرق بين “من أراد” و”من لم يرد”، تحت إشراف رجال السلطة الإقليمية الذين جندوا كل الوسائل لتحقيق الهدف.
في تلك اللحظة، بدا وكأن مفهوم الصدقة لم يعد عملاً تطوعياً يُنقذ صاحبه من النار، بل أصبح اختبارًا للولاء والإذعان.

ونعود من هناك إلى حاراتنا الشعبية البسيطة: حين يموت أحدهم في حيٍّ شعبي، تجد الجيران يهبّون بشكل عفوي للاكتتاب وجمع المساعدات. لم يكن الأمر يومًا مفروضًا أو مسيّسًا، بل كان ينبع من شعور تلقائي بالمسؤولية الاجتماعية.
لكن حتى هذه اللفتات الجميلة لم تسلم من الاستغلال؛ فقد برزت بعض الانتهازيات اللواتي ركبن على مثل هذه المآسي بحثًا عن الخروج من أزماتهن الشخصية والمالية، في ظاهرة تؤشر إلى تصدع القيم حين تختلط الحاجة بالفرصة.

نقول هذا، وننتقل بالذاكرة إلى العالم الأرحب: تلك الأغنية العالمية الشهيرة التي غناها نجوم كبار من أمريكا وأوروبا تحت شعار “We Are the World”، دعماً لإفريقيا الجائعة والمهمشة.
مشاهد مثل هذه تعطينا دروسًا نادرة في معنى التضامن الإنساني الحقيقي، ذلك التضامن الذي كثيرًا ما يغيب عن عالمنا العربي الغارق في الشعارات والمزايدات.

 

ما بين الزرواطة والضمير: قصة شعب لا يموت

ولا يمكن الحديث عن التضامن دون الإشادة بـ الجالية المغربية بالخارج، خاصة النساء منهن، اللواتي أثبتن أن قيم المساعدة والدعم لم تمت بعد. فبإمكاناتهن المحدودة أو المتوسطة، لا يترددن في الوقوف إلى جانب كل محتاج، سواء عبر مبادرات فردية أو تنظيمية، حارسات بذلك شعلة الأخوة الحقيقية وسط غربتهن القاسية.

هكذا نحن: بين عنف السلطة، ولمعان الكرم الشعبي، ورغبة كامنة في أن نكون، ولو للحظة، مجتمعًا يتسع للجميع بصدقٍ لا يحتاج إلى عصا ولا تعليمات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.