
ضربة قلم
المثل الشعبي المغربي القائل “ما تبدل صاحبك غير بما كرف” يعكس نظرة متشائمة حول التغييرات التي تطال المناصب الحساسة، مفادها أن التعديلات تأتي نتيجة محاباة مفضوحة، لا تؤدي إلى تحسين حقيقي بقدر ما تخلق حالة من البلبلة، وتُفاقم العوائق بدلًا من حلها. وفي ظل المستجدات السياسية الراهنة، يبدو أن هذه المقولة تجد صداها في المشهد المغربي، حيث تشهد بعض القطاعات تغييرات على مستوى المسؤولين في وقت لم يتبق فيه الكثير من عمر الحكومة الحالية.
التعديلات الأخيرة: هل هي تجديد أم إعادة تدوير؟
إن المتأمل في التغييرات التي تشهدها المناصب العليا في المغرب اليوم، يلاحظ أن المسألة لا تتعلق بالكفاءة أو المصلحة العامة بقدر ما تعكس توزيع الأوراق بين مجموعات نفوذ تسعى لضمان استمراريتها، ولو على حساب الفعالية والإنجاز. هذه الديناميكية تجعل من التعيينات الجديدة والمرغوب في إحداثها مجرد عملية تدوير انتقاء بدائل قد لا تحمل أي رؤية إصلاحية، مما يزيد من فقدان الثقة في السياسات العامة.
المثير للانتباه أن التغييرات الحالية تأتي في ظل انتهاء وشيك لعمر هذه الحكومة، وهو ما يطرح تساؤلات حول جدوى هذه التعيينات، وما إذا كانت تهدف إلى إرساء استمرارية معينة لنفس التوجهات، أو أنها مجرد محاولات لحفظ ماء الوجه في ظل إخفاقات واضحة في عدة قطاعات حيوية.
منطق الولاءات على حساب الكفاءة
لا يمكن إنكار أن هناك نخبة، وإن كانت قليلة، تسعى لخدمة البلاد بصدق ونزاهة، وتفرق بين المخلصين والمهرولين وراء المنافع الشخصية. إلا أن هذه الفئة غالبًا ما تجد نفسها غير قابلة للاستمرارية، غير مرغوب فيها، محاصرة أو مهمشة أمام سطوة منطق الولاءات السياسية والمصالح الضيقة. فالنظام الذي يتم من خلاله اختيار المسؤولين اليوم لا يزال يعاني من تأثير الحسابات السياسية أكثر من كونه قائمًا على معايير الكفاءة والاستحقاق.
حين تصبح المناصب الحساسة مرتعًا للمحاباة والانتماءات الضيقة، فإن النتيجة المتوقعة هي استمرارية نفس الاختلالات وربما تفاقمها. فبدلًا من تشجيع الكفاءات وكذا إفساح المجال للكفاءات القادرة على تقديم قيمة مضافة حقيقية، يتم تكريس منظومة طاردة لأصحاب الخبرة، مما يدفعهم إلى التهميش أو البحث عن آفاق أخرى خارج دائرة القرار السياسي.
المؤسسات الحساسة: صمام الأمان الأخير
ورغم قتامة المشهد، فإن هناك مؤسسات استراتيجية لم تخضع من حسن الحظ لمنطق الهيمنة السياسية، مما يجعلها صمام أمان أمام بعض السياسات التي قد تكون غير محسوبة العواقب. هذه المؤسسات، ورغم الضغوط التي تواجهها، لا تزال تمثل الخط الفاصل بين استمرار الدولة بمؤسساتها أو انزلاقها نحو العشوائية والضعف.
إن المغرب ليس بحاجة فقط إلى تغييرات شكلية أو مصلحية في المناصب فحسب، بل إلى قطيعة حقيقية مع الممارسات التي تجعل هذه المناصب رهينة للحسابات الضيقة، حيث يتم إجلاء الكفاءات في المؤسسات المسموح التلاعب بها أو المحسوبة على كل عزيز، وتعويضهم ببني وي وي.
إن الإصلاح لا يتحقق بمجرد التخلص من الأسماء التي لا تتماشى مع الأهواء وتغييرها، بل بتحقيق استقلالية حقيقية للمؤسسات، وإعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية على حساب الولاءات الشخصية.
نحو أفق جديد؟
مع اقتراب انتهاء عمر هذه الحكومة، يبقى التساؤل مطروحًا حول ما إذا كانت المرحلة القادمة ستشهد تغييرًا حقيقيًا في طريقة تدبير الشأن العام، أم أن مسلسل إعادة تدوير النخب سيستمر كما هو؟ إن الرهان الأساسي يجب أن يكون على إرساء قواعد جديدة تحكم تعيين المسؤولين، تجعل من الكفاءة والنزاهة أساسًا لكل اختيار، وإلا فإن الوضع لن يختلف كثيرًا، وستظل مقولة “ما تبدل صاحبك غير بما كرف” توصيفًا دقيقًا للواقع السياسي المغربي.