مبديع أمام القضاء: من “الإنجازات التنموية” إلى الدفاع عن “الصفقات الشرعية”

ضربة قلم
استأنفت غرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، اليوم الخميس، الاستماع إلى المتهم الرئيسي في ما تصار يُعرف بملف “فساد الفقيه بن صالح”، الوزير والبرلماني السابق محمد مبديع، الذي وجد نفسه بعد سنوات من “الإنجازات” في موقع آخر تماماً: خلف القضبان، لا خلف المكاتب المكيّفة.
في قاعة المحكمة، بدا مبديع أكثر ثقة مما يُنتظر من شخص متابع بتهم ثقيلة كـ اختلاس وتبديد أموال عمومية، واستغلال النفوذ، وتزوير محررات رسمية، والمشاركة في التزوير. الرجل نفى كل شيء دفعة واحدة، قائلاً إن تقارير المفتشية العامة لوزارة الداخلية ليست سوى “روايات خيالية” بنيت على “مغالطات”، وإن مشاريعه في الفقيه بن صالح كانت أنظف من ورق المناقصات نفسه.
وبلغة واثقة، قال مبديع إن صفقة رقم 4/2014 احترمت جميع المساطر، وإن الأشغال الإضافية “كانت في صميم دفتر التحملات”، قبل أن يضيف أن اللجنة التي درست الأثمان ضمّت مسؤولين من مختلف المؤسسات، “فكيف يعقل أن يتواطأ كل هؤلاء؟”.
لكن المفارقة المضحكة – المبكية – أن المتهم نفسه لم ينسَ أن يذكّر المحكمة بأن أغلب رؤساء الجماعات في المغرب لا يتجاوزون المستوى السادس ابتدائي، ثم تساءل مستغرباً كيف يُحاسَبون كأنهم خبراء في المالية والهندسة! وكأنه يقول: “العذر بالجهل يسقط التهمة”!
واسترسل مبديع مدافعاً عن براءته بعبارات أقرب إلى الخطب الانتخابية القديمة: المفتشية لم تعتمد على الوثائق النهائية، تجاهلت المساحات، لم تحتسب الزناقي بدقة، ولم تزر الميدان… باختصار: الجميع أخطأ إلا هو.
ثم رفع سقف دفاعه قائلاً: “لقد استعنت بخبير مستقل، وتقريرُه نسف كل ما قالته المفتشية”، دون أن يذكر – طبعاً – من هو هذا الخبير، ولا من كلّفه، ولا كيف توصّل إلى استنتاجاته المعجزة.
وفي لحظة وجدانية مؤثرة، قال مبديع: “لم أتصور يوماً أن أجد نفسي خلف القضبان بعد كل ما قدمته لمدينتي”. كلمات قد تُذرف معها دمعة، لولا أن المدينة نفسها – الفقيه بن صالح – لا تزال تبحث عن طريق سالك وسط مشاريع لم تكتمل وشبه إنجازات غارقة في الإسفلت الرديء.
وهكذا، يواصل الوزير السابق دفاعه عن “نزاهة الزناقي”، في وقت ينتظر فيه الرأي العام أن تقول العدالة كلمتها الفصل في قصةٍ قد تكون عنواناً لمرحلة كاملة من الفساد المغلف بالمساطر القانونية.




