دفاتر قضائية

مبديع في قفص الاتهام: ابتسم… فأنت في برنامج ‘محكمة بدون حدود’!

وعمّال النظافة يفاجئون مبديع: بغينا نشوّهو ليه السمعة قبل ما نرجّعو الحقوق!

ضربة قلم

وقف محمد مبديع، ذاك الذي ظل لسنوات يلوّح بالمشاريع الورقية كمن يبيع الماء في حارة السقّايين، واقفًا في قاعة المحكمة كتمثال بائس لكاريكاتور سياسي فقد لونه ورونقه. لبذلته الرسمية جاذبية كاذبة، كأنها تحاول إقناع من حوله أنه ما زال “سي محمد الوزير”، لكنه كان، وبكل سخرية القدر، مجرد متفرج متوتر وسط مشهد من إنتاجاته السابقة، يراقب مستشارين سابقين يتصببون عرقًا ويحاولون النجاة من مركب بدأ يغرق منذ أن أفرغوا خزائنه بمهارة ساحر شعبوي.

لأكثر من ساعتين، ظل واقفًا لا يتحرك، عاقدًا ذراعيه كمن يحاول احتضان وهم قديم. تارة يبتسم، وتارة أخرى يحدّق في وجوه الحاضرين كأنهم أوراق تصويت لم تعد في متناوله. يبتسم حين تروق له إجابة، لا لأنها بريئة، بل لأنها قد تنقذه من الغرق. وكأنه لا زال يعتقد أن الابتسامة يمكنها أن تشتري الصمت، حتى لو كانت القاعة هذه المرة لا تضم ناخبين بل قضاة ومحامين.

ثم جاءت اللحظة الهزلية الكبرى في هذا المسرح القضائي: عمال النظافة، أولئك الذين كانوا يُعدّون مجرد تفاصيل لوجستيكية في مشهد تنمية زائفة، قرروا الظهور على المسرح، ليس كخدم يزيّنون الخلفية، بل كأبطال ساخطين، كضحايا قرروا أن يرفعوا الصوت في وجه من كان يتحدث باسمهم وهو يدهس حقوقهم.

دفاع مبديع، وكما يليق بمحامٍ مخضرم تعوّد أن يحوّل كل شيء إلى مؤامرة، سارع إلى تشخيص اللحظة على أنها “تسخينات انتخابية”. وكأن الرجل يظن أن العمال، وهم يحملون المكانس والديون، جاؤوا ليدشنوا حملة انتخابية وليسوا ليطالبوا بحقهم في أن لا تُكنس كرامتهم كما كُنِست أموال جماعتهم. وصفهم بأنهم “لا علاقة لهم بالملف”، وكأن تبديد المال العام لا يبدأ من تجويع من يعملون تحت شمس الفساد الحارقة.

أما النقيب فبدا في مرافعته كمن يحاول إنقاذ سفينة مثقوبة بقشة قانونية، يتوسل المحكمة أن لا تصغي لمن يعانون، لا لأنهم كاذبون، بل لأنهم ليسوا من “الدرجة السياسية المناسبة”. وكأن العدالة حكر على من يعرف كيف يدفع ثمنها.

لكن محامية العمال، وبصوت لا يحمل ربطة عنق، كانت أوضح من كل ذلك: “هم ليسوا مجهولين، بل مهمّشون عمّدهم الفساد”، وكأنها كانت تقول: إن لم يكن الظلم هنا، فأين يكون؟

وفي ختام العرض، صرخ النقيب دفاعًا عن مبديع: “راه مظلوم!”، يا للعبارة التي تصلح عنوانًا لفيلم كوميدي أسود، فيلم عن رجل أمضى حياته يصنع القوانين ليسود، ثم وجد نفسه ذات يوم في قاعة محكمة يتوسل تفسيرها لصالحه.

آهٍ من هذا المشهد المغربي المتكرر: حين يحاول رجل السياسة أن يبدو ضحية، ويتحول ضحاياه إلى متهمين فقط لأنهم لا يرتدون ربطة عنق، ولا يُجيدون الحديث بلغة البلاغات الوزارية…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.