متى يسلمون؟ قالتها مريم وهرب الإيمان من الشرفة!

ضربة قلم
يحكى -ولا ندري صِدقًا هل في الحكاية حكمة أم لعنة- أن شابًا مغربيًا سافر إلى ألمانيا لطلب العلم، فعاد بشهادة عليا، وزوجة ألمانية، وإسلامٍ معاد تدويره. الزوجة كانت تحب زوجها حد العبادة، آمنت بدينه كما آمنت به، فأسلمت. لكنها لم تكتفِ بـ”الشهادة” كأغلبنا، بل أخذت الأمور على محمل الجد: صيام، صلاة، زكاة، وحتى نطق “الحاء” في “الحق” كانت تحاول إتقانه وكأنها تستعد لمباراة ولوج الجنة.
مرت الأيام، وقرر الزوج العائد بنصرين: الدبلوم والزوجة، أن يقضي عطلة في حضن أهله ببلده الأم. وهنا تبدأ المسرحية. مريم -الزوجة الألمانية المسلمة- كانت تتوقع استقبالًا بروح أمة اقرأ، فإذا بها تجد نفسها بين جماعة “ما قاريينش ولكن قاريين السوق مزيان”. العائلة استقبلتها بتمر وماء زمزم في القارورات البلاستيكية، وبمزيج من البخور والعيون الفاحصة، كأنهم يستقبلون بضاعة مستوردة يجب التحقق من جودتها.
من أول يوم لاحظت أن هنالك خللًا في البوصلة: الجدة تدعو الله بعد كل غيبة، وتغتاب بعد كل دعاء. العم يصلي الفجر حاضرًا، ثم يقضي الصباح في مراجعة أسعار الرشوة في البلدية. الخالة صائمة لله، لكنها أفطرت على سُلفة لم تُرجعها منذ 2004. أما الشباب، فيؤمنون بالله واليوم الآخر، ولكنهم لا يؤمنون أن طابور الوظيفة قد يتحرك دون “مفتاح صغير” في الجيب.
مريم كانت تحاول أن تفهم. هي قرأت في السيرة أن الإسلام دين صدق، لكنها لم تجد أحدًا يقول الحقيقة حتى في تحديد سعر الطماطم. اعتقدت أن المؤمن لا يكذب، لكنها شاهدت كذبًا يتسلق الجدران، يدخل الأحاديث العائلية، ويتكاثر مثل الأرانب. الكل مسلم، نعم، ولكن على الطريقَة “الشفاهية”: كلام فيه خشوع، وسلوك فيه خداع.
وذات مساء، بينما كانت تحاول فهم لغز “المؤمن الغشّاش”، سألت زوجها بعفوية مريرة، وهي تضع حجابها بعناية: “حبيبي… متى ستعتنق أسرتك الإسلام؟”. الرجل ابتلع ريقه، وكأنها سألته: “كم عمرك الحقيقي؟”، فتلعثم، ثم ضحك، ثم قال: “آه مريم… هذا إسلامٌ مغربي. نسخة فيها بعض التحديثات”. لكنها لم تضحك، كانت جادة جدًا، وكانت ترى أن ما آمنت به هناك ليس هو ما تراه هنا.
هي أسلمت حين رأت في الإسلام عدلًا وسلامًا ونظافة قلب. أما هنا، فرأت صلاة بلا خُشوع، وعمرة تليها مؤامرة، ومصحفًا في الجيب الأيمن، وهاتفًا في اليد اليسرى يبحث عن “كوطة” جديدة من الغش. وحين حاولت أن تصحّح فهمها، قالوا لها: “نحن مسلمون، ولكن ظروفنا…” وكأن الظروف صارت حجة معتمدة عند الله في باب الكذب والخداع.
مريم لم ترتدّ، ولم تغضب، لكنها فهمت الدرس: ليس كل من قال “الله أكبر” يعرف الله، وليس كل من صلى، صافح الصدق.الإسلام عند البعض -دون تعميم- صار بطاقة هوية تُبرز عند التفتيش، وتُخبّأ عند التطبيق، أما السلوك؟ فَيخضع لآخر تحديث في عرض النفاق الموسمي.
وفي طريق العودة إلى ألمانيا، كانت تنظر من نافذة الطائرة، وتهمس في نفسها: “لقد أسلمتُ لله، لا على الطريقة المغربية”، ثم ابتسمت -لا سخريةً من الدين- بل من شعبٍ يرفع شعارات السماء، ويغرق في مستنقع الأعذار الأرضية. أما زوجها، فكان يفكر: “هل من المناسب أن نعود الصيف المقبل؟… أم نكتفي بالواتساب والصور؟”.