مجتمع

دمج “الكنوبس” في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي: خطوة نحو تجفيف المزايا وتقليص الاسترداد

ضربة قلم

يبدو أن الحكومة المغربية قررت أخيرًا أن تحول نظام التأمين الصحي إلى أكبر برنامج دمج في تاريخ التأمين الاجتماعي، بحيث تم دمج “الكنوبس” (الصندوق الوطني للتأمين الصحي) في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS). قرار “الجميع في سلة واحدة” يبدو مغريًا من زاوية التنسيق وتحقيق المساواة، لكن في الواقع، المزايا التي كانت تميز “الكنوبس” قد اختفت في غياهب هذا الدمج، لتظهر مجموعة من السلبيات التي تهدد بتقليص العديد من الامتيازات التي كان يتمتع بها موظفو القطاع العام. هيا نتعمق في المساوئ التي ستنجم عن هذا الدمج، وكيف أن المستفيدين قد يجدون أنفسهم في مواجهة تداعيات قاسية وغير متوقعة.

1. التقليص في التغطية الصحية: من التفرد إلى “الفتات”

حتى قبل الدمج، كان للكنوبس القدرة على تقديم تغطية صحية مستقلة ومزايا مخصصة أكثر لمنخرطي القطاع العام. لكن مع دمج النظامين، سيعني ذلك أن المنخرطين في “الكنوبس” سيواجهون حتمًا تقليصًا في الاسترداد المالي. ففي النظام الجديد، لا يوجد تخصيص كافٍ للمزايا بين فئات المجتمع المتنوعة، وهو ما قد يؤدي إلى شعور بالإحباط لدى الموظفين العموميين الذين سيفقدون الامتيازات التي كانوا يستفيدون منها سابقًا. بينما يحصل منخرطو CNSS على الفتات من المبالغ المستردة، كان “الكنوبس” يوفر استردادات أسرع وأكبر، لكن هذا كله في طريقه إلى الزوال.

2. الإجراءات المعقدة: من نظام مرن إلى بيروقراطية خانقة

لا تقتصر المشكلة على تقليص الاسترداد فقط، بل تمتد إلى الإجراءات المعقدة التي سيضطر المنخرطون للتعامل معها. بدمج النظامين، سيجد المواطنون أنفسهم غارقين في بحر من البيروقراطية، حيث يصبح من الصعب جدًا الحصول على استرداد بسرعة، مع زيادة التعقيدات في الإجراءات، والتي قد تؤدي إلى تأخيرات قد تصل إلى شهور. “الكنوبس” كان يوفر على الأقل سرعة في المعاملات، بينما اليوم، قد يجد المستفيدون أنفسهم يتسابقون مع الزمن للحصول على حقوقهم.

3. زيادة التكاليف: العبء المالي المزدوج

من الناحية الاقتصادية، سيواجه الأفراد زيادات غير مبررة في تكاليف الاشتراكات. الدمج سيؤدي إلى الضغط على موارد الصندوق الموحد، مما يعني أنه سيتم رفع نسب الاشتراكات، وهو ما يضيف عبئًا إضافيًا على المنخرطين. العائلات ذات الدخل المحدود هي الأكثر تضررًا من هذه الزيادة، حيث ستجد نفسها مضطرة لدفع المزيد مقابل نفس المزايا أو حتى أقل. فبدلاً من تحسين التغطية، تجد الأسر نفسها غارقة في تكاليف متزايدة لأقل خدمة.

4. توزيع غير عادل: لا تكافؤ في الاسترداد

الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي يتعامل مع عدد هائل من المنخرطين في القطاع العام والخاص، يواجه صعوبة في تخصيص المبالغ المستردة بشكل عادل. في النظام العادي، كان “الكنوبس” يقدم استردادًا أكبر وأسرع لموظفي القطاع العام، لكن بعد الدمج، ستصبح المبالغ المستردة أقل بكثير، مما سيؤدي إلى شعور بعدم المساواة بين المواطنين، حيث سيجد موظفو القطاع العام أنفسهم في مؤخرة الصف.

5. التأثير على النظام الصحي الحكومي: المزيد من التدهور

أحد النقاط المهمة التي لم يُحسب لها حساب هي تأثير الدمج على النظام الصحي الحكومي. فالمستشفيات والمراكز الصحية التي كانت تعتمد على التمويل المخصص من “الكنوبس” ستجد نفسها أمام نقص حاد في الموارد، مما سيؤدي إلى تدهور أكبر في جودة الخدمات الصحية المقدمة. بدلًا من أن يكون النظام الصحي أكثر قوة وفعالية، سيصبح ضحية للتقليصات التي رافقت دمج النظامين.

6. أزمة الثقة: من “الكنوبس” إلى الإحباط العام

من أكبر المشاكل التي قد تنشأ جراء الدمج هي أزمة الثقة. فالمواطنون الذين كانوا يعتمدون على “الكنوبس” قد يشعرون بأن حقوقهم قد تم انتهاكها، وأنهم لم يعودوا يحظون بتغطية صحية جيدة كما كان الحال سابقًا. هذا الشعور بالإحباط قد يؤدي إلى فقدان الثقة في النظام الصحي بشكل عام، ويجعل المنخرطين يشعرون بأنهم في مركز تحولات لا تلبي احتياجاتهم.

7. الشفافية المفقودة: غموض يفاقم البيروقراطية

كان “الكنوبس” يوفر قدرًا من الشفافية في التعاملات، لكن الآن، ومع دمج النظامين، ستزيد البيروقراطية وسيصبح الحصول على إجابات واضحة أمرًا صعبًا للغاية. فالمستفيدون سيجدون أنفسهم عالقين بين إجراءات متشابكة ومعقدة دون أي ضمانات للشفافية أو سرعة في الحصول على استرداداتهم.

خلاصة: دمجٌ يقود إلى تدهور أكبر

بينما كان الهدف من دمج “الكنوبس” في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هو تحسين التنسيق وزيادة التغطية، فإن الواقع يثبت عكس ذلك. فستفقد فئات واسعة من الموظفين العموميين امتيازاتهم، حيث سيتم تقليص المبالغ المستردة بشكل كبير، مما سيزيد العبء المالي على الأسر ويؤدي إلى تدهور الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية. النتيجة؟ مزيد من البيروقراطية ومزيد من الأعباء.

اتقوا الله في هذا الشعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.