محاكمة مبديع: مقاولو الحفر يشرحون فلسفة الأتربة العميقة!

ضربة قلم
في فصل جديد من رواية “الأشغال الكبرى في الأزقة الضيقة”، وقف المقاول (إبراهيم.ه) بشجاعة رجل حفر قلب المدينة لا مجرد تربتها، مدافعًا عن نفسه أمام تهم اختلاس المال العام، كما لو أنه يدافع عن حفر نفق سويسري وسط جبال الأطلس، لا مجرد صفقة جماعية في الفقيه بن صالح.
المتهم لم يتلعثم، بل تحدث وكأننا في ندوة علمية حول تكنولوجيا الحفر الحضري، موضحًا أن “الأثمنة” المحددة في الصفقتين كانت بدقة جراحية، وأن الحفر تم بواسطة آليات كبيرة، رغم أن الأشغال وقعت وسط أزقة ضيقة. طبعًا، لا أحد يسأل كيف التقت الآليات الضخمة بالأزقة الصغيرة دون أن يُصاب عرض الزنقة بكسور معمارية، فربما نحن أمام آلات نينجا أو معدات من صنع أفلام الخيال العلمي.
وتحدث عن الأتربة وكأنها شخصيات رئيسية في المسلسل، فأكد أن الكمية الناتجة عن الحفر تتطابق مع ما أُخرج فعلاً، وأن الزيادة في الكميات ليست بسبب طمع أو حسابات مشبوهة، بل لأن الأرض “عنيدة”، والعمل فوقها كالحوار مع صخرة: مكلف وطويل وشاق.
المقاول بدا متيقنًا أن كل ما قام به قانوني تمامًا، بل وربما يستحق عليه تنويهًا لا مساءلة، إذ قالها بالحرف: “احترمنا النصوص القانونية وأوامر صاحب المشروع”. وبما أن القانون يفرض الالتزام بهذه الأوامر، فلمَ كل هذا الضجيج؟ الرجل ببساطة “كان ينفذ التعليمات”، وكأننا في تمرين جماعي داخل قاعة الأشغال التطبيقية.
أما الحديث عن حذف بعض الأثمنة من كشف الحساب، فهو أمر لا يثير الاستغراب أبدًا… فكل ما في الأمر أن أماكن الأشغال تغيّرت. طبيعي جدًا، أليس كذلك؟ كأن المقاولة تعمل بأسلوب “الرحّل”: نحفر هنا اليوم، وهناك غدًا، والأرقام تمشي على خطى الجرافة.
وعن البند 507، فقد أصبح هذا البند فجأة نجم الجلسة، لأنه “يُحدد” الأشغال… والحفر لا يبدأ إلا بعد تركيب القنوات، مما يجعل الزيادة في الكميات مسألة حيوية ناتجة عن “الطول غير المتوقع” للقنوات، وربما كنا نحتاج خرائط طبوغرافية وGPS لتأكيد صدق هذه الأرقام “المتمددة”.
ثم أتى مقطع الدراما التقنية: “غرف التفتيش لا يتجاوز طولها مترين ونصف، وعمقها 3 أمتار، وتم احترام القانون!”، وكأن المسألة مسابقة سباحة في أحواض صغيرة وليست صفقة بـملايين الدراهم!
لكن المثير أكثر هو تأكيده أن الصفقة نُفذت في وقتها، ولم تُفرض على الشركة أي عقوبة مالية، رغم التوقفات هنا وهناك. والسبب؟ تأشيرة الخزينة تأخرت. فبما أن المال العام تأخر في الوصول، كان لزامًا أن تتأخر الجرافة بدورها. منتهى الانسجام بين “الصندوق” و”الشاحنة”.
ثم جاء بيت القصيد: الزيادة في الصفقة لم تتجاوز 1%، وبالتالي لا داعي لتحرير ملحق. منتهى الحكمة الاقتصادية! بل يمكن إدراجها ضمن نصائح “ترشيد النهب”، أو “كيف ترفع الصفقة دون أن تثير الشبهة؟”.
وفي النهاية، أكد الرجل أن شركته بريئة من أي علاقة بمكتب الدراسات، وأن العلاقة الوحيدة التي تربطه بالمشروع هي تلك التي تربط “المُنفّذ” بصاحب العمل، لا غير. العلاقة نظيفة، ناصعة، شفافة… كالماء الذي لم يمر يومًا من القنوات التي تم حفرها.
الخلاصة؟ نحن لسنا أمام متهم، بل أمام مقاوم لصخور الفقيه بن صالح، مدافع عن القنوات المطمورة، وبطل رواية “حفرناها بالقانون”، التي تُضاف إلى مكتبة الصفقات المغربية التي تبدأ بالأمل وتنتهي بشهادة تقني. أما المواطن، فيُطلب منه أن يُصدق أن كل هذه الحفريات مجرد صدفة هندسية، لا مشروعًا مهيأً للردم المالي الدقيق.