محاكمة “مول الغزال”.. عندما تتحول الصفقات العمومية إلى سباق ماراتوني نحو جيوب “المخضرمين”!

ضربة قلم
في فصول درامية مثيرة، لا تخلو من “المؤثرات القانونية” و”الإخراج المسرحي”، استؤنفت اليوم محاكمة الوزير السابق محمد مبديع، الشهير بـ”مول الغزال”، بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء. وعلى طريقة المسلسلات المكسيكية ذات الحبكات المعقدة، لم يأتِ دفاع أحد المتهمين في القضية بأي طلب تقليدي، بل فضل اللعب على عنصر التشويق، مطالبًا باستدعاء اثنين من كبار وزراء الداخلية السابقين: شكيب بنموسى ومحمد حصاد.
شهود أم متهمون في الكواليس؟
المحامي امبارك المسكيني، الذي يبدو أنه قرر قلب الطاولة على الجميع، لم يكتفِ بالدفاع عن موكله، بل طالب بإدخال أسماء “وازنة” في المشهد، على اعتبار أن الصفقات التي يتم التحقيق فيها لم تكن مجرد قرارات فردية عشوائية، بل مرت عبر سلسلة طويلة من المصادقات والتوقيعات الرسمية، حيث وُقِّعَت من طرف وزراء الداخلية أنفسهم، وصادق عليها مسؤولون كُثر قبل أن تصل إلى “المطبخ السري” للصفقات العمومية.
وبأسلوب قانوني ممزوج بلمسات من الفقه “التكتيكي”، طرح المسكيني معادلة لا تخلو من الحرج:
- كيف يمكن الحديث عن توجيه الصفقات إلى أشخاص بعينهم، بينما المساطر الإدارية تجعل من المستحيل تمرير صفقة بأكثر من 10 ملايين درهم دون أن تمر عبر عدة مراحل؟
- لماذا يتم التعامل مع تقرير المفتشية العامة للإدارة الترابية وكأنه نص مقدس، رغم أنه مجرد وثيقة قابلة للنقاش؟
- ولماذا تتحول الشركات التي خسرت الصفقات إلى شهود “صُدفة” في القضية، بعد أن قبلت نتائجها بصمت آنذاك؟
عندما يتحول “التوقيع” إلى قنبلة موقوتة!
إن استدعاء وزيرين سابقين في الداخلية إلى جلسة استماع قانونية، يعني أن الدفاع يريد اللعب بالأوراق الثقيلة. فالقضية لم تعد مجرد ملف “اختلاس” عادي، بل تحولت إلى جدل حول مدى مسؤولية كبار مسؤولي الدولة عن الأموال العمومية.
أما المسألة الأكثر إثارة، فهي أن المحامي لم يكتفِ بطلب استدعاء الوزراء، بل طالب باستدعاء أعضاء لجنة فتح أظرفة الصفقات، وهي الخطوة التي توحي بأن هناك نية لإعادة تفكيك كل مراحل تمرير هذه المشاريع، وربما قد نصل إلى مرحلة يكون فيها الجميع متورطًا بطريقة أو بأخرى.
والمفارقة الكبرى، أن “الصفقات العمومية”، التي يُفترض أن تكون مسألة تقنية تخضع لحسابات قانونية ومالية، باتت أشبه بـ”الغنائم السياسية”، يتنازعها مسؤولون سابقون، وتفتح فيها الملفات وفقًا لحسابات اللحظة.
محاكمة أم حملة تنظيف؟
المثير للدمهشة أن دفاع مبديع وحلفائه لم يطالبوا فقط باستدعاء المفتشية العامة لوزارة الداخلية، بل أيضًا بإحضار أعضاء اللجنة المكلفة بإعداد تقرير المجلس الجهوي للحسابات. وكأن الرسالة واضحة:
“إذا كنتم ستتعاملون مع هذه التقارير كحجج دامغة، فعلى الأقل دعونا نستجوب من أعدها، لأننا نعرف جيدًا كيف تُكتب، ولماذا تُكتب، ولصالح من تُكتب!”
إن القضية تتجاوز مجرد أرقام وملفات، فهي تعكس كيف تُدار الصفقات العمومية في المغرب، وكيف يمكن أن تتحول التحقيقات المالية إلى سلاح سياسي يُشهر حسب الحاجة، وكيف أن توقيع مسؤول اليوم قد يصبح “حبل المشنقة” الذي يلتف حول عنقه بعد سنوات.
“مول الغزال”.. بين الحظ العاثر والصفقات العابرة!
يبدو أن مبديع، الذي عرف كيف يلعب أوراقه السياسية لسنوات، لم يكن يتوقع أن تتحول بعض التوقيعات “الروتينية” إلى كابوس يطارده داخل قاعات المحكمة. فمن كان يومًا وزيرًا للإصلاح الإداري، يجد نفسه اليوم في مواجهة “إصلاح قضائي” ربما لم يكن يتوقعه!
وفي النهاية، يبدو أن المحاكمة ليست فقط محاكمة لمبديع، بل ربما هي محاكمة لمنظومة بأكملها، حيث تتحول التوقيعات من مجرد حبر على ورق إلى أدلة إدانة، وحيث يمكن لـ”غزال عرس القرن” أن يسقط في فخ الصفقات التي كان يوقع عليها بكل ثقة!