دفاتر قضائية

محامي في قبضة العدالة أم في مرمى التشهير؟ مراكش على صفيح ساخن بعد فيديو الهوان!

ضربة قلم

في مغرب يُفترض أن “الحق في الكرامة” لا يُمس، وأن المحاماة ليست مجرد مهنة بل جزء من هيبة العدالة، سُجلت سابقة من العيار الثقيل بمدينة مراكش، بطلها محامٍ ينتمي لهيئة ذات رمزية ووقار، لكن تفاصيل المشهد قلبت كل المفاهيم، وتجاوزت الخطوط الحمراء، لتتحول القضية من مجرد واقعة فردية إلى مرآة تعكس هشاشة العلاقة بين بعض ممثلي السلطة والحق في المعاملة الكريمة.

الفيديو الذي هزّ مواقع التواصل الاجتماعي لم يكن تسجيلاً عادياً، بل مادة صادمة تُظهر رجلاً محاميا -أو ما تبقى من هيبته- مكبلاً، يصرخ ويشتم من المقعد الخلفي لسيارة أمنية خفيفة. لم تُحذف المشاهد، ولم تُطمس الوجوه، بل سُرب المقطع، وربما عمداً، كأننا أمام عرض مسرحي أُريد له أن يكون درساً لكل من يتجرأ على الخروج عن النص، أو بالأحرى، على “قواعد اللعبة” التي تحدد من يُهان ومن يُوقر، متى وأين وكيف.

في لحظة غضب ثملة، حسب ما ورد، تفوه المحامي بعبارات وُصفت بأنها إهانة للدين، والملك، ورجال الأمن، وهي تهم ثقيلة لا تُؤخذ على محمل المزاح في دولة تضع “الثوابت” في موضع لا يُمَس. لكن، مهما بلغت فداحة الألفاظ، تبقى المعالجة الأمنية للقضية مثيرة للتساؤل، خصوصاً وأن تسريب الشريط بدا أقرب إلى التشهير منه إلى الإخبار، وكأننا نعود إلى زمن الفضيحة كأداة لتأديب العصاة.

ولأن العدالة لا تُبنى بالصور الفيروسية ولا بالضغط الجماهيري، تم تقديم الرجل أمام أحد نواب وكيل الملك، ثم قرر وكيل الملك متابعته في حالة اعتقال، في يومية قضائية سريعة البرمجة. التهم الموجهة لم تكن عادية، فهي تُراوح بين إهانة موظفين عموميين أثناء تأدية مهامهم، والمس بالمؤسسة الملكية، وسب الذات الإلهية. وهي تهم، إن صحت، تجعل من الحادثة تجاوزاً أخلاقياً وقانونياً خطيراً، لا يمكن تبريره بحالة السكر ولا بعصبية اللحظة.

لكن من قال إن “الحالة” وحدها في قفص الاتهام؟ أليس تسريب فيديو لرجل في لحظة انهيار -بغض النظر عن خلفيته- نوعاً من الإخلال بالواجب المهني، ومساً بحرمة الشخص وحقه في محاكمة عادلة؟ ألم يكن الأجدر بالأمن أن يحافظ على سرية الإجراءات، بدل صب الزيت على نار مجتمع يُحب المشاهدة أكثر من الفهم؟ وهل نحتاج دائماً إلى إذلال الشخص قبل محاكمته، حتى يشعر الرأي العام أن العدالة تعمل؟

هذه الواقعة فتحت أبواباً كثيرة للنقاش، ليس حول أخلاق المحامين فقط، بل حول طريقة تعامل الدولة مع الرموز المهنية، وحول الخط الرفيع بين “التطبيق الصارم للقانون” و”العقاب الجماهيري على المباشر”. فأن يُعتقل المحامي بسبب أقواله في لحظة سُكر، أمر لا يناقش كثيراً من حيث المبدأ، لكن أن يتحول إلى “فرجة” رقمية، هنا يبدأ جوهر المأساة.

الأكيد أن ما جرى لن يمر مرور الكرام. المحاكمة ستُتابع، والدفاع سيُجهز دفوعاته، والمغاربة سيستمرون في مشاهدة المشهد بصمت متوتر، لكن السؤال الأعمق سيبقى عالقاً: هل نحن أمام تطبيق للقانون، أم أمام استعراض للقوة؟ وهل يُراد للمحامي أن يُحاسب على “تجاوزه”، أم أن في الأفق رسالة مبطنة لكل من يعتقد أن زيه المهني يحميه من السقوط الحر؟

ربما سننتظر حتى نهاية الأسبوع المقبل لنرى ما ستسفر عنه المحاكمة، لكن المؤكد أن صدى هذه الواقعة لن يُمحى بسهولة، وأن أثرها سيمتد إلى نقاشات أشمل حول صورة رجال القانون، وحدود السلطة، وكرامة الإنسان في زمن الهواتف الذكية والعدالة المتلفزة.

ملاحظة: الصورة تعبيرية ولا تمت بصلة للشخص المعني بالقضية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.