محبوبون يرحلون… وأيام لا تعود

م-ص
في كل بيت بتاريخ عريق، تجد زاوية حزينة، لا تُرى بالعين، لكنها محسوسة بقوة في القلب. ركن ما يشهد على غياب من كانوا يومًا روح المكان ودفء الزمان. لا بيت في المغرب – ولا في العالم- يخلو من وجع دفين، من دمعة خفية، من اسم نردده في صمت حين يخلو المكان من الضجيج.
رحل أب كان حائطًا وسندًا، أو أم كانت حضنًا لا يُعوّض… زوجة غالية أو زوج حنون. شقيق أو شقيقة، أو حتى الوالدان معًا… وكلما مرّت السنوات، لم تزدنا الذكرى إلا ألمًا وحنينًا. فالفقد لا يُقاس بالزمن، بل بالفراغ الذي يتركه الغائب في تفاصيل حياتنا اليومية. في غيابهم… لا تمرّ الأيام، بل نحن من نمرّ فيها بلا ظلّ.
حين نتذكّر تلك الفقيدة أو ذلك الفقيد، لا نسترجع لحظة الفراق… بل نستحضر جلسة عائلية، ضحكة عفوية، نكتة ساذجة كنا نضحك لها بصدق. نتذكر رائحة الكسكس يوم الجمعة، حكايات ما قبل النوم، التوبيخ المحبّب، وحتى لحظات الصمت التي كانت أبلغ من الكلام. إنها أيام لا يمكن استعادتها، ومحبوبون لا يعوّضون.
من عاش بيننا وترك فينا أثرًا، لا يموت فعلاً. إنه يعود إلينا كلما شممنا رائحة عطر، أو سمعنا نغمة موسيقى، أو مررنا بمكان كانت تجمعنا به لحظة صفاء. الغائبون يسكنوننا، يتحوّلون إلى حكايات نرويها للأبناء، إلى دعاء في كل صلاة، إلى دمعة تحبسها العين احترامًا لمن غاب، لا ضعفًا.
رحلوا، لكنهم علّمونا كيف نحب، كيف نتحمّل، وكيف نكون أوفياء في زمن الخذلان.
لا وجود لعزاء حقيقي، لكن هناك عرفان. هناك وفاء لا يخبو، وذاكرة لا تشيخ.
قد لا نملك القدرة على استعادتهم، لكننا نملك القدرة على الوفاء لهم: بالدعاء، بالترحم، وبالحياة الكريمة التي كانوا يتمنونها لنا.
سلام على أرواحهم…
وسلام علينا ونحن نحاول أن نحيا رغم غيابهم.