محضر الخروج أم محضر احتقار؟ حين تتحول العطلة إلى جريمة إدارية!

ضربة قلم
كلما ظن الأستاذ أنه سيتنفس الصعداء بعد سنة دراسية كادت تبلع روحه، تفاجئه الوزارة بقنبلة جديدة: “تمديد محضر الخروج إلى 11 يوليوز!”، وكأن هذا المحضر ليس ورقة إدارية بل عقد زواج بالإكراه مع المؤسسة التعليمية، لا يتم الطلاق منه إلا بقرار فوقي… أو سكتة قلبية.
الأساتذة، الذين بالكاد استطاعوا أن يجمعوا شتات أعصابهم بعد حفلات الجنون الجماعي المسماة بـ”الامتحانات الإشهادية”، ظنوا أن العطلة الصيفية حقٌ طبيعي، أو كما يُقال في أدبيات الكرامة: “استراحة المحارب”. فإذا بهم يجدون أنفسهم أمام سيناريو جديد من العبث الإداري، حيث الوزارة تحنُّ إلى عهود الفلاحة التقليدية، وتصرّ أن تُحَصِّد الأستاذ حتى آخر قطرة من صبره، بل وتطالب بجني محصول التوقيع في عز يوليوز، وكأن الشمس لا تكفي لإحراق الجلد، فلابد من قرار يحرق ما تبقى من الأعصاب.
والأدهى أن الوزارة لم تُرفق قرارها بأي تبرير عقلاني. لا إصلاح تربوي في الأفق، لا رؤية استراتيجية تستحق التأمل، فقط قرار جاف يقول: “ابقوا حتى 11 يوليوز”، وكأن الأستاذ لا عائلة له، لا منطقة تنتظره، لا شمس تغويه بالاستلقاء تحت ظل نخلة، ولا بحر يعده بنسيان مناهج “الجيل الجديد” وألغاز “التقويم التكويني”.
هل نحن أمام وزارة أم مصنع شوكولاتة؟ أمام إدارة أم مؤسسة عقابية؟ لأن الذي يفترض أن يكون قطاعًا تربويًا، صار يتفنن في إذلال أكثر فئة تستحق الاحترام. فئة صارت تمضي محاضر الدخول والخروج وكأنها تتسول عطلتها، وكأن الراحة ترف لا يليق بمعلم يُربّي أجيال الوطن!
ثم لنتساءل، ماذا يعني فعليًا التوقيع على محضر الخروج يوم 11 يوليوز؟ هل الوزارة تريد الأساتذة جالسين وسط الفصول الفارغة، يراقبون الكراسي الخاوية ويناقشون الطباشير المتبقي؟ أم أنها تخطط لتحويلهم إلى ديكور إداري يتجول في الممرات بحثًا عن معنى للحضور في زمن الغياب التربوي؟
بعضهم قال إن الوزارة تحاول “السطو على العطلة”، وهي تهمة أخف من الواقع. لأن ما يحدث ليس سطوًا فقط، بل عملية سطو مقرونة بالاحتقار والتجهيل والعقاب الجماعي. الوزارة تعتقد أن الأستاذ هو المتهم الأبدي، المتهاون بالواجب، الذي يجب معاقبته بأن يُمسك قلم التوقيع حتى آخر نفس. مع أن الواقع يقول إن الذي يُفرّط في الواجب هو من يصدر قراراته كمن يطلق النار في العتمة.
أما النقابات، فحدث ولا حرج. إما أنها في سبات صيفي أبكر من عطلة الأساتذة أنفسهم، أو أنها بصدد إعداد بيان ناري من طينة “نستنكر ونتابع عن كثب”. لكن “الكثب” هذا لا يتقاطع أبدًا مع المصلحة الفعلية، لأن القرارات تمرُّ مثل الجراد، والنقابات توزع بلاغات مثل رخص الغياب… بكثرة، ولكن دون أثر يُذكر.
باختصار، نحن أمام موسم جديد من التسلط الإداري، موسم يُبشّر بعام دراسي قادم يبدأ على إيقاع الشك والاحتقان. لأنه حين تُسرق العطلة، يُسرق معها جزء من احترام الذات، ويصير التعليم عبودية موسمية مغطاة بشعارات التحديث والإصلاح، والحقيقة الوحيدة المتبقية هي أن الأستاذ يُستنزف كل سنة أكثر من السنة التي قبلها، بينما الوزارة تُبدع في فنون امتصاص الوقت والكرامة… بشهادة محضر الخروج.