مجتمع

مدارس بلا ريادة ووزير بلا إجابة: حين يتحول البرلمان إلى فصل دراسي!

ضربة قلم

ها هي القاعة البرلمانية، في جلستها الأسبوعية، تتحول مرة أخرى إلى فصلٍ دراسيٍّ كبير، حيث النواب – من الأغلبية والمعارضة معًا – تباروا في رفع الأصابع واستعمال السبورة (الشفوية طبعًا) لتوبيخ “الأستاذ الوزير” على سوء تدبير الدخول المدرسي. والوزير، كالعادة، يكتفي بالابتسام، وكأنه أمام امتحان شفوي يعرف مسبقًا أن النتيجة فيه “مقبول مع التحفظ”.

بدأت المداخلات على إيقاع مألوف: كلمات منمقة عن “الإصلاح” و”الرؤية” و”النية الحسنة”، لكن سرعان ما تحوّلت النبرة إلى ما يشبه حصّة “التقويم التشخيصي”. أحد النواب ذكّر الوزير بأن مدارس “الريادة” لا تزال بلا ريادة، وبعضها بالكاد يملك سبورة تقف على رجل واحدة. الحواسيب الموعودة لم تصل، والمناهج الرقمية لم تُبرمج، والنتيجة: مشروع رقمي يشتغل بـــ”الطبشور”.

آخرون تحدّثوا بمرارةٍ عن مدارس تصنَّف “ريادية” بينما هي تفتقد للماء والكهرباء، بل وتُدرّس تلاميذها تحت أسقف مفككة، كأننا في فصل من فصول التاريخ الاستعماري. أحد النواب لم يتردد في القول إن بعض هذه المدارس لا تحتاج إلى “خارطة طريق”، بل إلى “خيمة طريق” تقيها المطر في أول نونبر.

وتعالت أصوات من مقاعد أخرى لتذكّر الوزير بأن كل عام دراسي يبدأ بنفس الأسطوانة: مشاكل التسجيل، الاكتظاظ، غياب الأطر، نقص النقل المدرسي، وعبارة “سيتم تدارك الأمر” التي تملأ البيانات الرسمية كأنها تعويذة سحرية. أحد المتدخلين أضاف، ساخرًا، أن سيارات النقل المدرسي لم تعد تنقل التلاميذ، بل أصبحت “ناقلات بشرية” تتحدى قوانين الفيزياء وعدد المقاعد.

ولم يخلُ النقاش من لمسة إنسانية موجعة، حين أثارت إحدى النائبات وضع الفتيات القرويات اللواتي يقطعن الكيلومترات للوصول إلى المدرسة، ثم يقطعن الأمل في منتصف الطريق بسبب غياب الداخليات والنقل. كما تساءلت أخرى عن موقع التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة في كل هذا “الحديث الوزاري الجميل”، مؤكدة أن المدرسة المغربية، رغم كل الشعارات، ما زالت تنظر إليهم كزوار عابرين لا كمواطنين في حق التعلم.

باختصار، كانت الجلسة درسا في المفارقة: برلمان يناقش مدارس “الريادة” فيما الريادة الحقيقية تكمن في الصبر الذي يُبديه تلاميذ يجلسون على كراسي مكسورة، ومدرسون يشتغلون في ظروف تصنع منهم أبطالًا مجهولين.

أما الوزير، فربما دوّن في دفتره عبارة ختامية:
“العام المقبل سيكون أفضل”.
لكن النواب، والجمهور، والتلاميذ، وحتى السبورات المائلة، يعرفون أن هذه الجملة تُكتب كل سنة… ثم تُمحى بالطبشور ذاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.