مدرسة للفرز الطبقي: جوائز للخصوصي وسُخرة للعمومي!

يونس وردي
أستاذ بالمدرسة العمومية
في مشهد تتكرر فيه المفارقات العجيبة، يُفترض أن التعليم العمومي والخصوصي يسيران جنبا إلى جنب لخدمة مصلحة المتعلمين، فإذا بنا أمام سباق غير متكافئ تُزرع فيه الامتيازات من جهة، وتُغرس فيه العراقيل من جهة أخرى. حفلات نهاية السنة، التي يُفترض أن تكون لحظة فرح وتقدير لمجهودات التلاميذ، تحولت إلى منصة غير معلنة لتسويق المؤسسات الخاصة على حساب المدارس العمومية. الجوائز، التي غالبًا ما تُمنح على المنصة وسط التصفيقات والكاميرات، لا تذهب إلا لأبناء الخصوصي، وكأن تلميذ العمومي لا يستحق الاعتراف، أو أن تفوقه لا يحمل نفس القيمة. ولا حاجة لنا، بطبيعة الحال، لفتح ملف نفخ النقط، فالكل يعرف والكل ساكت، ما دامت النتيجة تسويقًا ناجحًا لمؤسسة بأقسام فاخرة وأسوار مزخرفة، ولو كانت القيم التربوية في عطلة دائمة داخلها.
أما في موضوع العطلة الأسبوعية، فهنا المفارقة تأخذ بعدًا أكثر قسوة. ففي الوقت الذي تستفيد فيه مؤسسات التعليم الخصوصي من راحة يوم السبت – راحة تسمح للتلميذ بالتنفس، وللأستاذ بالتخطيط، وللأسر بالتقاط الأنفاس – نجد التعليم العمومي مصلوبًا في قسمه، حاملاً سبورته على كتفيه، مرهقًا في ماراطون أسبوعي لا يرحم. وكأن المدرسة العمومية قد خُلقت كي لا ترتاح، وكأن الأستاذ العمومي مطالب بإثبات وجوده بالتعب، لا بالكفاءة، وبالإرهاق لا بالإبداع. ويُراد من هذا التمييز غير المعلن أن يُطبع في الوعي الجماعي أن العمومي هو مرادف للشقاء والتقشف والروتين، بينما الخصوصي هو عنوان الجودة والراحة والابتكار. إنها لعبة خبيثة تتستر على شكل إصلاح، لكنها في الحقيقة تعمّق الفجوة وتكرّس الإقصاء.
وسط كل هذا، يتقدم أساتذة التعليم العمومي بمطلب بسيط في ظاهره، عميق في دلالته: توحيد العطلة الأسبوعية. ليس طلبًا للكسل أو لهروب من القسم، بل دفاعًا عن التوازن النفسي والجسدي للتلميذ والأستاذ على حد سواء. فليس من المعقول أن يواصل التلميذ أسبوعه الدراسي ستة أيام كاملة دون فسحة حقيقية للراحة، أو أن يُطلب من الأستاذ أن يستمر في العطاء وكأنه آلة بلا بطارية. التعليم ليس مضمار سباق، بل مسار تراكمي يحتاج إلى وقت للترسيخ، وراحة للتأمل، واستعداد للمواصلة.
أما بخصوص الساعات الدراسية، فالشكوى واحدة منذ سنوات: كثرة دون جدوى، وتكديس بلا معنى. التلميذ يخرج من القسم مرهقًا، والأستاذ ينهي حصصه وهو يتساءل: من فهم فعلًا؟ ما الجدوى من كل هذه الساعات إذا كانت تنتهي بملل متبادل وانفصال بين الطرفين؟ المطلوب اليوم هو مراجعة عميقة لهيكلة الزمن المدرسي، تقليص عدد الساعات بما يضمن التركيز والجودة، لا الكم والاستهلاك.
وفي مقابل ذلك، لا بد من توسيع هامش الأنشطة الموازية، ليس من باب الترفيه فقط، بل لأنها أحد أهم مفاتيح تحبيب المدرسة للتلاميذ. ما معنى أن نقضي نصف اليوم في الحساب والإعراب دون لحظة عزف، أو رسم، أو تمثيل، أو حتى لعبة هادفة؟ المدرسة يجب أن تُحبّب، لا أن تُخشى. تُعاش، لا أن تُحتمل. تُرتاد عن رغبة، لا عن إجبار. وقد أثبتت كل التجارب الحديثة أن التلميذ الذي يجد ذاته في المسرح أو في الموسيقى أو في العمل الجماعي، هو نفسه التلميذ الذي يعود في اليوم التالي بشغف مضاعف لدرس الرياضيات أو التاريخ.
باختصار، المعركة اليوم ليست بين عمومي وخصوصي، بل بين من يؤمن بأن التعليم هو مشروع مجتمعي يجب أن يكون عادلًا ومنصفًا للجميع، وبين من يرى فيه مجرد تجارة تُسوَّق عبر شهادات واحتفالات ومساحيق زائفة. وقد حان الوقت لأن نصغي، بجدية، لأساتذة التعليم العمومي، لا لأنهم يحتجون، بل لأنهم يعرفون واقع المدرسة أكثر من أي مسؤول يوقّع القرارات من وراء المكاتب المكيفة.