مجتمع

مدرّسون بلا أجور… ونقابات بلا دور!

ضربة قلم

في مشهد يُشبه مسرحية هزلية رديئة الإخراج، اجتمعت النقابات التعليمية الخمس، تلك التي تُطلق على نفسها لقب “الأكثر تمثيلية”، لتبحث في كيفية الرد على الوزارة التي أخلّت بوعودها، وكأنها فوجئت بالأمر لأول مرة! وكأن الوزارة لم تدرّبهم على لعبة “خذ وهات” ثم “انس وانتظر”!

لنضع الأمور في سياقها، نحن أمام فصل جديد من مسلسل “الحوار الاجتماعي” حيث يجتمع الطرفان، يتصافح الجميع أمام الكاميرات، يبتسمون، ثم يُوقعون على اتفاقات لا قيمة لها سوى في الصحافة الرسمية والتصريحات الموجهة للاستهلاك الإعلامي. ثم فجأة، تكتشف النقابات أن الوزارة لم تفِ بوعودها! يا للمفاجأة الكبرى! هل كنا نتوقع شيئًا آخر غير هذا السيناريو الممل؟

القانون التنظيمي للإضراب… القفزة الكبرى نحو تكميم الأفواه

في خضم هذا العبث، تمرّ الحكومة الموقرة إلى المستوى التالي في لعبتها الشهيرة: “كيف تسحق المطالب دون أن تثير ضجيجًا؟”. وهذه المرة، اخترعت تقنية جديدة تُسمى “القانون التنظيمي للإضراب”، حيث صار الإضراب أشبه بحدث رياضي يحتاج إلى ترخيص وموافقة رسمية، وربما رسوم تسجيل لدى الجهات المختصة!

تخيلوا معي المشهد: الأستاذ يقرر الإضراب، فيُطلب منه ملء استمارة، وإحضار شهادة طبية تثبت أنه مُضرب عن العمل بحالة نفسية مستقرة، مع توقيع الوالي والمقدم والقائد! وإذا أخطأ في خانة من الخانات، يُعتبر الإضراب غير قانوني، ويُخصم من أجره، وربما يُحال على لجنة تأديبية بتهمة “الإخلال بالنظام العام”!

الإعفاءات: حملة تطهير أم ترتيب أوراق؟

في زاوية أخرى من المشهد، بدأت حملة إعفاءات “غامضة” شملت 16 مديرًا إقليميًا والكاتب العام للوزارة، في خطوة وصفتها النقابات بأنها “عشوائية”، بينما اعتبرها البعض “ضرورة إصلاحية”! وهنا يتجلى الفرق في الفلسفة بين النقابات: فالبعض يرى أن هذه الإعفاءات مؤامرة تستهدفهم شخصيًا، والبعض الآخر يراها فرصة سانحة لترتيب المشهد بما يتماشى مع مصالحه المستقبلية.

ولعل النقطة الطريفة في هذا الملف، أن بعض النقابات هاجمت الوزارة لأنها أعفت شخصيات محسوبة عليها، بينما هلّلت نقابة معصيد لهذه الخطوة معتبرة أن الوزير يملك حق تدبير شؤونه كما يشاء. طبعًا، هذا يُعيدنا إلى السؤال الأزلي: هل النقابات تدافع عن الشغيلة التعليمية، أم عن المسؤولين الذين يتبادلون الأدوار في الإدارات؟

النقابات: خطب رنانة بلا نتائج ملموسة

إذا كان هناك شيء واحد يمكن أن نتفق عليه جميعًا، فهو أن بيانات النقابات لم تعد تقنع حتى أصحابها! فما فائدة بيانات التنديد والشجب، والاجتماعات المغلقة، والوعود المتكررة، إذا كان الوضع يزداد سوءًا عامًا بعد عام؟

كل مرة، نجد النقابات تتحدث عن “التنسيق النقابي”، لكن في الحقيقة، هذا التنسيق لا يتجاوز توزيع الأدوار في الاجتماعات، والاتفاق على جمل منمقة لبيانات الصحافة، قبل أن يعود الجميع إلى أعمالهم بانتظار الجولة القادمة من التفاوض العبثي.

ماذا بعد؟

لنكن واقعيين، لن يخرج أي طرف منتصرًا من هذه المهزلة. الوزارة ستستمر في سياستها المعتادة: تقديم الوعود، ثم التنصل منها. النقابات ستواصل صراخها الموسمي، وكتابة البيانات الجريئة، ثم التراجع في اللحظة المناسبة. أما رجال ونساء التعليم، فهم الحلقة الأضعف في هذا الصراع العبثي، يتابعون المشهد بسخرية، ويبحثون عن حلول فردية لمشاكل جماعية لا يبدو أن لها نهاية.

ويبقى السؤال الذي لا تجرؤ أي نقابة على طرحه بجدية: متى سنرى نقابة تفعل أكثر من مجرد التصريح والتوقيع؟ ومتى سنرى وزارة تحترم اتفاقاتها بدلًا من التنصل منها كما لو كانت مجرد أوراق دعائية؟

حتى يحدث ذلك، سيظل المشهد كما هو: مطالب تُرفع… ووعود تُمنح… ثم تُنسى!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.