مدونة السير تُجدد سلاحها: إياك والمناورة… فالبطاقة الرمادية في خطر!

ضربة قلم
دخلت تعديلات مدونة السير في المغرب حيز التنفيذ وكأنها دعوة رسمية من الدولة إلى حفلة قوانين جديدة، وعلى السائق أن يحضرها بكامل أناقته القانونية، أو على الأقل دون أن يرتدي “حزام المخالفة”. المرسوم رقم 2.24.222 صدر، لا لينقذ الأرواح فقط، بل ليؤكد لنا أن مدونة السير لم تمت، بل كانت فقط تنتظر جرعة تجميل تشريعية جديدة. الهدف؟ السلامة الطرقية طبعًا! أو كما يُقال في الأوساط القانونية: “نظام مروري فعّال لا يعرف المزاح… حتى لو كان السائق يعرفه جيدًا”.
أول ضربة جزاء في هذه التعديلات كانت من نصيب البطاقة الرمادية، تلك الورقة البريئة التي قضت عمرها في درج السيارة دون أن تؤذي أحدًا، فإذا بها تُسحب من طرف السلطات إذا ما قررت أن السيارة خرجت عن طاعة القانون. والسبب؟ “ضبط أكثر فعالية للمخالفات”. كلمة “ضبط” هنا لا تعني أن الشرطي سيصفعك على الواجهة الأمامية للسيارة، بل فقط سيسحب هويتك المعدنية ويطلب منك العودة لاحقًا… إن استطعت.
ثم نأتي إلى فقرة الاسترجاع… استرجاع الوثائق طبعًا، وليس كرامتك بعد أن يوقفك الشرطي… يوقفك نفسيًا، قانونيًا، ومزاجيًا، ثم يتركك تتأمل الحياة عبر زجاج أمامي تُخيم عليه دموع الندم المروري.
الدولة، مشكورة، جعلت الأمر سهلاً: لديك 30 يومًا لتسوية وضعيتك القانونية، ودفع الغرامة، ثم تحصل على رخصتك، كأنك اشتريتها من جديد ولكن بسعر أغلى. أما عن المسافة، فقد ألغوا “الحدّ الجغرافي” السابق، الذي كان يقتضي أن تمشي وراء مخالفتك مسافة لا تقل عن 20 كيلومترًا كما لو كنت تتبع قافلة الحج. الآن يمكنك سحب أوراقك من حيث ارتكبت الحماقة المرورية، بشرط ألا تكون قد نسيت أين فعلت ذلك.
يُقال إن التعديلات جاءت لتبسيط المعاملات الإدارية، وهي نكتة قانونية من العيار الثقيل. فالمرونة الجديدة لا تعني أن الشرطي سيبتسم لك، أو أن الإدارة ستُحضّرك كوب شاي بينما تنتظر، لكنها على الأقل ستسمح لك بأن تُعاقب بطريقة رقمية أكثر تحضُّرًا، وربما تصلك الغرامة برسالة لطيفة على هاتفك، من نوع: “تهانينا، لقد فزت بمخالفة جديدة!”
في العمق، تشعر أن هذه التعديلات كُتبت على إيقاع أغنية وطنية، هدفها أن تجعل من السائق شريكًا في الأمن الطرقي، بدل أن يكون العدو الأزلي لعصا الشرطي. ومع ذلك، لا تزال هناك نبرة تهديد دافئة، تقول لك: “كن مواطنًا صالحًا… أو كن مستعدًا لرؤية سيارتك تُعامل كمشتبه فيه من الدرجة الأولى”.
ولا ننسى أن هذا التعديل جاء في زمن أصبح فيه احترام قانون السير يشبه الصيام في الصيف: نية موجودة، لكن التطبيق صعب! فكيف تُقنع سائقا ظل لسنوات يعتقد أن الخط المتصل مجرد زينة في الإسفلت، وأن إشارة “قف” تُقرأ على أنها اقتراح لا أكثر، بأن الدولة قد بدأت تأخذ الأمور بجدية؟ ببساطة: تُهديه غرامة إلكترونية وتُعلّق بطاقته الرمادية في مهب البيروقراطية.
أما السائق المغربي، الذي تعوّد على “التحايل من الزنقة”، فسيكتشف أن اللعب بالقانون لم يعد رياضة وطنية، بل مغامرة قد تنتهي في طابور طويل لاسترجاع الوثائق، يتأمل فيه قراراته المصيرية، مثل “لماذا ضغطت على الغاز في اللحظة التي رأيت فيها الشرطي؟”. ومع غرامات قد تُدفع من تطبيقات الهاتف، لا تستبعد أن يُطلق أحدهم خدمة توصيل الغرامة إلى باب المنزل، مع خصم خاص إذا كنت زبونًا دائمًا! هكذا، وبين مطرقة تحديث القانون وسندان عادات السائقين، يجد المواطن نفسه مجبرًا على تعلم لغة جديدة: لغة احترام الإشارات، الابتعاد عن الهاتف أثناء القيادة، وربما ـ لا قدّر الله ـ احترام حق الأسبقية. قانون مدونة السير الجديد لا يريد الانتقام من أحد، بل فقط أن يرى الطريق بلا ضجيج ولا دماء، فقط سيارات تمشي في هدوء، وسائقين يحيّون بعضهم دون شتائم.
في النهاية، إن كنت ممن لا يحترمون القانون، فانتبه: عصر “دبّر راسك” انتهى، وبدأ عصر “دبّر مخالفتك”! فالدولة تمنحك الآن مهلة سخية — ثلاثون يومًا بالتمام والكمال — لتتوب، تدفع، وتستعيد وثائقك، وكأنها تقول لك: “خذ وقتك في الندم، لكن لا تُبالغ!”، إنها ثلاثون يومًا تشبه الصيام، لكن بدل الإفطار، تحصل على رخصتك وسند ملكيتك… إن كنت محظوظًا، طبعًا، ولم يضيع ملفك في دهاليز الإدارة.
وإن نسيت تسوية وضعيتك خلال هذه الثلاثين يومًا، فأهلاً بك في مرحلة جديدة من العقاب، قد تتضمن غرامات إضافية، وربما جولات ماراثونية بين الشبابيك، ومحادثات وجودية مع موظف يصرّ أن “السيستيم طايح”. إنها تلك اللحظة التي تكتشف فيها أن الوقت في مدونة السير كالسيف: إن لم تدفع في وقته، قطعتك الغرامة بلا رحمة.
فلا تقل إنك لم تُنذر… البطاقة الرمادية الآن قابلة للمصادرة، رخصة السياقة تحت المجهر، وثلاثون يومًا هي فرصتك الذهبية لتُثبت أنك مواطن صالح وليس فقط “سائق متعثر قانونيًا”.
في هذا السياق الجديد، يصبح شعار المرحلة: “خالف… تُغرَم… تندم… ثم تكتشف أن احترام القانون كان أوفر لك من البداية!” فاستعد، أيها السائق، فالقانون قد ارتدى بذلته الجديدة… وربط حزامه جيدًا!




